إسرائيل ستواصل الحرب لأنّ وقفها انتصار لحماس سليمان أبو ارشيد
منذ الأيّام الأولى للحرب على غزّة حذّر العديد من الكتّاب الإسرائيليّين بأنّ نتنياهو سيكون معنيًّا بإطالة أمدها قدر الإمكان؛ لأنّه يدرك أنّ نهايته مرتبطة بنهايتها، والحقيقة أنّ هذه الحقيقة لا تنطبق على نتنياهو وحده، بل على جميع متّخذي القرار الإسرائيليّين من سياسيّين وعسكريّين كانوا في هذا الموقع بتاريخ السابع من أكتوبر، وربّما بعده أيضًا ممّن تورّطوا لاحقًا في الفشل العسكريّ الّذي حصدته إسرائيل خلال 50 يومًا من الحرب.
ومثلما هي العادة يقود الفشل الأوّل إلى سلسلة من الفشل وصولًا إلى التورّط والدخول في وحل يصعب بعدها الخروج منه، هكذا حدث مع القيادة السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة الّتي أفقدتها ضربة السابع من أكتوبر، الناتجة عن الفشل الاستخباريّ والعسكريّ والسياسيّ توازنها، فأطلقت العنان لتهديدات مثل “السحق” و”المحقّ” و”الإبادة” والتي سرعان ما تحوّلت إلى أهداف عسكريّة يصعب، وربّما يستحيل تحقيقها.
للتغطية على فشلها تصرّفت إسرائيل كالحيوان الجريح، فقصفت ودمّرت وهدمت وهجرت وقوّضت كلّ ركن من أركان الحياة والعمران في غزّة، إلّا أنّها فشلت في تقويض أركان حركة حماس وسلطتها الّتي جعلت من تقويضها هدفًا للحرب، فأضافت بذلك فشلًا آخر إلى فشلها، موصومًا هذه المرّة بوصمات العار والسقوط الأخلاقيّ لجيشها ومؤسّستها السياسيّة بعد تورّطهما بجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة عجزت عن ارتكابها أشدّ الدول ظلاميّة وفاشيّة في العالم.
وكان من الطبيعيّ أن يظهر هذا الفشل بأبهى تجلّياته بظهور عناصر كتائب القسّام بكامل عدّتهم وعتادهم العسكريّ، يخرجون من بين أنقاض القصف الإسرائيليّ في الجنوب، وفي الشمال الّذي ادّعت إسرائيل أنّها أحكمت سيطرتها عليه، ظهروا وهم يقتادون الأسرى الإسرائيليّين بمنتهى اللطف، ويسلّموهم لطواقم الصليب الأحمر الدوليّ وسط مراسم احتفاليّة والتفاف وعناق حاضنتهم الشعبيّة.
طيلة 50 يومًا بحثت إسرائيل عن صورة نصر متخيّلة تعيد الهيبة الممتهنة لجيشها وقيادتها السياسيّة، وبعد أن فشلت في استحضار رؤوس قادة المقاومة الكبيرة والصغيرة، حوّلت المستشفيات إلى أهداف استراتيجيّة، وجعلت من مجمع الشفاء الطبّيّ معقلًا عسكريًّا أريد لاحتلاله، وكشف ما ادّعته من أنفاق تتخندق فيها قيادة حماس داخله، أن يوفّر لها هذه الصورة المفقودة، فخاب فألها وسقط رهانها، فما كان منها إلّا أن دمّرت أقسامه ومعدّاته الطبّيّة، واعتقلت إدارته بعد أن قصفته وحاصرته أيّامًا طويلة.
وما يسكب المزيد من الماء على طين الخيبة الإسرائيليّة أنّه لا ذرائع أمام الجيش الأقوى في المنطقة وتمرّسا في العالم، فقد حشد 350 ألف جنديّ احتياط، وزوّد بأحدث الأسلحة الأميركية الّتي تدفّقت عليه دون انقطاع خلال الحرب وقبلها، إلى جانب تعزيزه بالخبراء والعسكريّين الأميركيين الّذين خاضوا معارك الفلّوجة والموصل وطورًا بورًا، هذا ناهيك عن الأساطيل وحاملات الطائرات الأضخم في العالم الّتي أمنت وغطّت حربه من أيّ تدخّل خارجيّ، ووفّرت له فرصة منازلة غزّة وحيدة.
إزاء هذا الفشل يصعب تخيّل موافقة إسرائيليّة على وقف دائم لإطلاق النار وتحويل الهدنة المؤقّتة إلى ثابتة، ليس لأنّ “أعواد المشانق” ستنتظر نتنياهو وغالانت وهليفي وغيرهم من القيادات السياسيّة والعسكريّة فقط، بل لأنّ وقفها بنظر العديد من الخبراء العسكريّين هو انتصار لحماس، ولأنّ هيبة الجيش الإسرائيليّ الّتي كان المسّ بها سببًا لهذه الحرب قد هبطت بعدها إلى حضيض آخر.
ويبدو أنّ حلفاء إسرائيل، وعلى رأسهم الولايات المتّحدة يتفهّمون هذه الحاجة، ويعطون الضوء الأخضر لإسرائيل لاستئناف حربها، خاصّة وأنّها لا تجد أمامها معارضة عربيّة وإسلاميّة ودوليّة وازنة تردعها من استمرار الحرب، وهو ما يظهر من محاذيرها الّتي تتمحور أساسًا في التخوّف من تورّط الجيش الإسرائيليّ في جنوب القطاع المكتظّ أصلًا والمحمل بأكثر من مليون لاجئ إضافيّ من الشمال، ومن تمركز قوّات المقاومة الفلسطينيّة وقيادتها في الجنوب أساسًا ما يعني أنّ إسرائيل ستواجه عشرات آلاف المقاتلين الّذين اتّخذوا من “النصر أو الاستشهاد” شعارًا لهم.
وكلّنا يعرف أنّه قد توفّرت لإسرائيل بقياداتها المختلفة فرصًا أوفر رفضت أن تستغلّها عندما امتلكت ناصية القرار العقلانيّ، وهو ما يثبت أنّ ما يدفعها إلى هذه الحرب ومواصلة استمرارها هو الثأر والانتقام لكرامة جيشها وقيادتها المهدورة تحت ستار استعادة قوّة الردع.
موقع /عرب48