مقالات و تحليلات

العلاقات الإماراتية – الأميركية أمام منعطف صعب / د.عبدالخالق عبد الله

ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن

خلال سنة واحدة من إدارة جو بايدن، الرئيس الأميركي، حدَث تراجع غير مسبوق في العلاقات الإماراتية – الأميركية، فسوء الفهم في أعلى مستوياته، والثقة في أدنى مستوياتها، والاستياء المتبادل أصبح معلناً. وقبل سنة كانت الشراكة بين دولة الإمارات وأميركا في عز قوتها، وكانتا في طريقهما إلى مستوى جديد من الشراكة الاستراتيجية العميقة، ثم فجأةً حدَث ما حدَث من انتكاسة وتباعُد غير متوقع.

 

لقد استثمرت دولة الإمارات كثيراً في علاقاتها مع واشنطن في الثلاثين سنة الماضية؛ فكانت خلالها تعطي بقَدْر ما تأخذ، وتستفيد بقَدْر ما تُفيد، وحريصة كل الحرص على تقوية العلاقة، وتعميق الثقة، وترسيخ المنافع المتبادلة؛ فقد أرادت دولة الإمارات أن تقوي التفاهم السياسي مع الشريك الأميركي عن طريق الاتفاق الإبراهيمي، كما كانت تخطط لترسيخ التعاون العسكري والاستراتيجي عبر صفقة طائرات “إف-35” لأجيال مقبلة.

 

وخصَّصت دولة الإمارات الجزء الأكبر من استثمارات صناديقها السيادية الضخمة في الأسواق الأميركية، دون الآسيوية والأوروبية، وحرصت على زيادة حجم التبادل التجاري مع واشنطن؛ لتكون الشريك التجاري الأول، ولم تكتفِ بترتيبها شريكاً تجاريّاً ثالثاً بعد الصين والهند.

 

 

لكنَّ إدارة الرئيس بايدن لم تُحسِن التصرف، ولم تُقدّر ما تقوم به دولة الإمارات، واستسلمت لاعتبارات انتقامية وانتخابية آنيَّة؛ فلم تقدر هذه الإدارة الاتفاق الإبراهيمي برغم أهميته التاريخية، ولم تُعطِه الاهتمام الذي يستحق، كما تلكَّأت في إتمام صفقة طائرات “إف-35” بقيمة 23 مليار دولار لأسباب واهية.

 

وفضلًا عن ذلك لم تُظهِر واشنطن التقدير لتعاون دولة الإمارات السياسي والإنساني والعسكري في أثناء انسحابها المتخبّط من أفغانستان؛ ثم اتخذت واشنطن موقف المتفرج عن بُعد خلال هجوم الحوثيين الغاشم؛ ما أخلَّ ببنود الشراكة والصداقة؛ لتؤكد أنها شريك لا يُعتَد به في وقت الأزمات.

 

جاء كل ذلك مخيباً للآمال، وخارج ما توقعته أبوظبي من واشنطن. ومما زاد الطين بلة اعتراض إدارة بايدن على قرارات إماراتية سيادية، مثل استقبال بشار الأسد الرئيس السوري، وزيارة وزير خارجيتها لموسكو، وممارسة الضغط على أبوظبي لزيادة إنتاجها من النفط خارج سياق اتفاق “أوبك”، وهي تدرك سلفاً أن هذا طلب عسير لا يمكن تحقيقه، كما ذهبت إدارة بايدن أبعد من ذلك لتسرّب معلومات مسيئة عن علاقات الإمارات مع الصين.

 

وفي ظل هذه المعطيات يحق لدولة الإمارات أن تشعر باستياء مضاعف من شريك أميركي متقلّب، ولا يُعتَد بالتزاماته، في وقت تبحث الدولة عن الاستقرار في العلاقات مع الإدارة الأميركية.

 

يأتي كل ذلك في وقت لم تعُدْ فيه أميركا القوة الوحيدة العظمى في العالم، ما دفع دولة الإمارات وغيرها من الدول إلى تنويع الشركاء، وعدم الاعتماد كليّاً على شريك استراتيجي واحد، وعدم الاكتفاء بمصدر واحد للسلاح يضع قيوداً سياسية غير معقولة وغير مقبولة.

 

 

علاقة الإمارات بالشريك الأميركي على المحك، وعلى مفترق طرق، وتواجه صعوبات لم تواجهها منذ 50 سنة، وقد تتجه إلى مزيد من التباعد، بدلاً من التقارب. ومن المؤكَّد أن مهمة إصلاح سوء الفهم تقع على عاتق إدارة بايدن التي قد تكون على وشك خسارة شريك إقليمي يزداد ثقةً بنفسه، ويزداد حضوراً إقليميّاً وعالميّاً، ولا يزال حريصاً على تقوية علاقته بواشنطن.

 

نشر في موقع “مفكرو الإمارات”

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى