شنقيط في ذاكرة الأشقاء!../ د.محمد ولد عابدين
وقر فى وجداننا نحن الموريتانيين..بل وقر أيضا فى وجدان أشقائنا العرب أن بضاعة هذا البلد هي الشعر والأدب ، إذ تختزن الذاكرة العربية صورة طيبة لموريتانيا الأمس..إنها صورة “بلاد شنقيط” بحمولتها المعرفية التاريخية.. و”أرض المليون شاعر” بشحنتها الرمزية الأسطورية..وغيرها من النعوت والأوصاف التي اقترنت بالبلاد ، وارتبطت ارتباطا وثيقا بالإحالة إلى مرجعيتها المعرفية وإشعاعها الأدبي والثقافي.
وليس هذا من قبيل الخطاب الإنشائي الممجد للتراث الوطني، دون الركون إلى تمحيص علمي وتحليل موضوعي للظواهر والوقائع ، ففي الوقت الذي كانت فيه القصيدة العربية في المشرق تمر بالركود والانطفاء ، ظلت جذوتها في توقد وجمرتها في توهج في بيئتنا الشنقيطية ، ومن هنا تشكلت ملامح نظرية “الحلقة المفقودة ” وذهب بعض الباحثين والدارسين إلى القول بضرورة مراجعة ” مقولة الانحطاط ” في تاريخ الثقافة والأدب العربي ؛ على اعتبار أن النهضة الشعرية في هذا البلد ، قد شكلت حلقة مفقودة من سياقها العربي العام.
وإذا كانت تلك صورة شنقيط أو “موريتانيا الأمس” فى ذاكرة الأشقاء العرب ؛ فإنها لاتزال تواصل عطاءها الإبداعي بخطوات واثقة وتدرج رصين ، وإن اعترته بعض الهزات والهنات ، فتلك ظاهرة صحية مردها ما حصل من تحولات وارتحالات سوسيو – ثقافية ، تحفز على المراجعة والوثوب للتحليق من جديد في فضاءات العطاء العلمي والثقافي المعاصر.
ومع ذلك فنحن في حاجة ماسة وضرورة حاقة إلى بلورة وصياغة خطاب نقدي أصيل ورصين ، ولكن بعيدا عن المجاملة والتقريظ والمديح المجاني ، ودون السقوط المدوي في عبثية التجريح والجلد والنكران ، فإن نحن أفلحنا في ذلك سننجح في استقراء وتمحيص وتقويم نتاجنا الإبداعي ، لنميز الغث من السمين ونعرف الصالح من الطالح .
وسبيلا إلى تحقيق ذلك لامندوحة عن ممارسة “نقد النقد” في بلادنا ، فالنقد الموضوعي والعلمي هو وحده الذى سيضمن غربلة نتاجنا الأدبي وتقويم تراثنا الشعري ، وليس النقد الانطباعي الانفعالي الآني ، بل أظننا بحاجة ماسة – أيضا – إلى نقد اجتماعي ونفسي وثقافي ، أو بالأحرى لنقل إلى نقد ابستمولوجي شامل تجاه مختلف أبعاد ومجالات حياتنا العلمية والعملية.