في طريق البناء الوطني / السيد محمد حماه الله
المصدر : الكاتب /
الحمد لله القائل (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).خلافةً عن الله بما يعمر أرضه صلاحاً لعباده جاعلا رسالة الإنسان في الأرض عمارها (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) صلاحاً لما فيها فكان جوهر تتالي الهدي الإلهي إصلاحاً يقوم ما إعوج من مسيرة الإنسان فقد جعلت رسالات السماء سعي إصلاح بالإقرار الذي قرن بالتوحيد عند كل الأنبياء (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ).
الحمد لله الذي جعلنا أمماً شعوباً وقبائل لنتعارف سعياً بالخير في الخير للخير دون تفاضل لذاتنا إنما بقدر ما إكتسبناه في سعينا في سبيل الحق نتفاضل بقدر ما نحوزه من خير لأنفسنا ومجتمعاتنا.
من هذه الفطرة الخيرة كان القدر الإلهي يخطط ويرسم مسيرة الإنسان في هذه الدار إبتلاءاً بين قرارين والكيس من ينحاز إلى خير أمته هدياً بنور الحق إيماناً وسعي.
نحمد الله أن جعل أمانة سعينا إليه هذه البلدة الطيبة المباركة بإنسانها أعظم مكرمة وأذخر مورد مجتمع وموئل حضارات إجتماع فريد في تاريخها العتيق وإنسانها المتفرد الذي عجنت فيه الإنسانية في شكلها الواعي المتحضر.
هذه البلدة بتاريخها ناصع المظهر والمخبر شكلت نقلة مهمة في إرتقاء الجنس البشري ومع أن حاضرها لا يماثل ماضيها إلا أن مكامن الإبداع والخلق الحضاري لم تزل هي في ذات الشعب تنتظر من يبث في أوصالها الحياة فتبرز بعد كمون موقظةً المارد الموريتاني من قمقمه ليمنح إنسانه المجد والخلود.
ظلت تجربتنا الموريتانية في درج الدولة الحديثة ما بعد الإستعمار لا تبرح تجتر أخطائها بتجاوز لحظة التأسيس والهوية المشكلة لوجدان الشعب الموريتاني الجمعي إلى سراب من إستنبات تجارب موتورة عن الواقع فلم نحصد إلا الخوار وهشاشة بنية الدولة التي يراها غالب الفاعل المجتمعي مغتربةً عنه ولا يرى نفسه فيها لأنها مستجلبةً عليه كما وارد البضائع، فهو لا يرى نفسه فيها بقدر ما يرى غيره الذي إستغل بلاده وأهلك حرثه وأمات ضرعه أو غيره الذي لا يعرف عنه شيء إنما أتاه مغلفاً في باقةٍ من التنظير السياسي الذي صيغ على نسق تجارب شعوب بعينها في ظرف وتحديات مختلفة في كثير لا تلامس قضاياها جوهر أزمات واقعنا السياسي فكان أن أورث الخمول والإنطوائية للعملية السياسية في بلادنا وكثيرٍ من المجتمعات أصبحت تبحث لها عن صيغة تجعل علاقتها بالدولة منسابة تفاديا لفشل دولة ما بعد الإستعمار الذي لا ينحصر في فشل منظومتها وتراتبيتها الهيكلية فقط وإنما كل التشكل المنفعل بالسياسة كل المنظومة السياسية هي مظهر تجلت فيه أزمة دولة ما بعد الإستعمار التي هي مختلة في هيكلها ونسقها المعرفي خطاباً وبناء.
الأحزاب السياسية لم تكن تعبر عن الفاعل المجتمعي الحقيقي إنما إصطفاف نخبوي يسعى في تكريس إنفصام الدولة عن المجتمع بإستيراد المقولات السياسية من تجارب مباينة كلياً للفعل السياسي والمجتمعي مما عطل إنجاز مشروع وطني معبر عن إنسان موريتانيا في مثله وقيمه العليا هويةً تبرز
ديناً،
لغةً،
ثقافة,
يسعى في صالح أهل موريتانيا حفاظاً على شخصيتهم وكينونتهم التاريخية صوناً لكرامتهم إنطلاقاً من ثوابت الأمة العليا.
لذا ونحن في لحظة تحول ولو كان شكليا في نظم الحكم بممارسة ديموقراطية تؤسس لمشاركة حقيقية عمادها المؤسسات والحريات يجب علينا استكمال استقلالنا المنقوص بأن تؤوب الدولة في رشدها وليدة المجتمع تمضي من وجدانه الجمعي فيما يصلح المجتمع إطعاماً من جوع وأمناً من خوف.
هذا ما عليه إجتماع الناس حين يتعاقدون فيما بينهم وكالة عنهم في شؤون التدبير والقوامة.
لكن لم تلبث تجربتنا السياسية في إغترابها عن قضايا المجتمع لأنها لم تكن بنت المجتمع وإنما بنات مختلط أفكار سياسية منجزة في سياقات تختلف عن واقعنا السياسي.
أعظم ما نأمله في هذا العرس الديموقراطي العظيم هو إقامة ما أعوج في أس التجربة السياسية بأن ترد الدولة حيث مقامها المعلوم مؤتمة بالمجتمع هو إمامها الذي يحدد مطلقاتها ومُثُلها العليا تكون أثر لعينه وذاته هويةً وتاريخ.
قيمة الرشد السياسي أن تعاد ترتيب الأولويات في هرم الدولة ما بين المجتمع بتجسده التاريخي هويةً شكلها الدين واللغة والثقافة التي مازجت أعراق الفاعلين وصهرتهم في بوتقة إسمها موريتانيا تلتمس نفسها في رباط ابن ياسين ودولة لمتونة ومن بعدها إمارات بني حسان الجذر الفعلي الذي شكل موريتانيا التي نعيشها اليوم نقطة تخلقها الأبرز بحيث أعيد تعريف البلاد بمقومات هويتها المميزة مجتمعا ودولة
ما نرجوه من العملية الديموقراطية أن تعيد تأسيس موريتانيا موريتانياً بأن يشاد هرم السياسة على قواعد المشترك الجمعي وألا تكون الدولة مغتربة عن المجتمع أو شاذةً عن وجدان الناس ديناً أو ثقافة تتحكم فيها قلة منبوذة من سواد المجتمع لشذوذ فكرها أو تربصها بدعوى إلحادية تنقض عرى ما تواثق عليه إجماع أهل البلاد إيماناً وتدين أو عمالتها خيانةً للوطن أو الدين فيما يصلح الجميع في معاشهم أو ما يضرب وحدة المجتمع تبنياً لما إنحرف وأستهجن من أفكار وعادات تصادم وتصادر معروف الناس من قيم سطرها الدين ومضى عليها العرف والعادة.
قيمة الديموقراطية في طلاقة الناس فيما يؤمنون ويأملون حرية ناصعة ومسؤولية قوامها الدستور والقانون ، هذه أطر إجتماعنا في هذه البلدة فلا تصادر حرية الناس ولا يُجلب ما ينفي عنهم الأمن ولا تعاق العدالة في بلادنا هذا الإطار الذي مضى عليه تواثقنا تعاقد رضا وإلزام طلباً للحرية والعدالة بسطاً للسلام الذي هو جوهر أمر الله الأول إفشاء السلام بين تجليات إرادته.
هذا التحول الكبير في سؤال الحكم بترسيخ الديموقراطية والتعددية هو الثورة الابرز الثورة التي هي هدم لبناء يُقوِم ما إنحرف في جسم الدولة تنظيراً وهيكلة وكما نسعى لإقامة نظم الدولة وتشريعاتها على مشترك الناس الجمعي حتى تضحى الدولة معبرة عن المجتمع في دينه وأعرافه أيضاً الدولة يجب أن تراعى فيها إنسيابية التمثيل المجتمعي في هرم السلطة ما بين تنفيذ وتشريع بأن تمثل كل قوى المجتمع ومكوناته حسب أوزانها وثقلها البشري والمناطقي حتى نضمن صدقية تمثيل الدولة للمجتمع وحتى لا يكون هنالك قصي من الموريتانيين عن صلب الدولة مما يحل ويخل بوثاق الدولة والمجتمع ليس نزولا على حكم الشرائحية ودعاة العنصرية والتشرذم وإنما تجاوزا لواقع الانقسام المجتمعي حتى تمحى الشرائح والتمايزات ولا يكون إلا المواطن الموريتاني
وأيضاً لابد من توزيع عادلٍ للثروات يضمن عدالة التوزيع على المجتمعات وأن يقوم الإقتصاد على الإكتفاء الذاتي تحقيقاً لإستقلالنا الإقتصادي بتحرير فعلنا الإقتصادي من التوجيه الرأسمالي الإستهلاكي الذي يحرف مواطن الإنتاج عن توفير ضروريات الحياة إلى ما تحتاجه سوق السعار الإستهلاكي في نسخة الإمبريالية المبتذلة.
قيم المجتمع وأعرافه يجب أن تصان من كل غائلة تحاول أن تشوه وتغتال كل جميل سمح من عاداتنا وتقاليدنا.
فالمجتمع هو أعرافه ومثله العليا متى إنسلخ عنها عاد رتل من الناس لا يجمع بينهم نظام ولا وثاق وهذه العادات والتقاليد هي جوهر إجتماعنا ليست هملاً يتقاذفها السوقة والعملاء سعياً للفتنة بإغتيال المجتمع في أعرافه التي تصنع شخصيته وتميزه التاريخي.
دين الناس جوهر إنسانيتهم وموجه إجتماعهم لا ينفصل أو ينفصم عن تشريع دولتهم إقراراً لقيم الخير ومثله العليا فهو الموجه والهادي الإطار الذي تتشكل على مطلقاته الدولة وينضبط إجتماع الناس وتحدد موجهات الدستور والقانون بأطره وتحديداته المعرفية والقيمية. ليس مجرد إنزواء فرداني إنما هو كما أراد له بارئ الوجود هدياً تؤسس عليه أنماط الحياة في تشعباتها فالدين هوادي تقود الحياة وحين يسلب هذا الدور فهو عبث لا طائل منه.
إن الديموقراطية التي حمل راياتها المواطنين الموريتانيين وآمنو بها وجسدو روحها محطمين اغلال الاستبداد والفساد بطموح وتطلعات الشباب وسقف أحلامهم التي قدمو الغالي والنفيس لاجل بلوغها, كما اضحي صوت الشباب ودوره في منأي عما يدور في اروقه الدولة ودوزنامة فعلها السياسي إقصاءا للفاعل الحقيقي وفي حين الانتصار صعد انتهازيو السياسة ومتسولوها علي حين غرة من دون الذي استنفر واستنفذ في معركة الديموقراطية ثورة تجتث جذور الاستبداد والفساد في بلادنا .
انحيازا للديموقراطية التي نريد لها أن تكون جذرية ترد الأمر إلي ذويه شوري بين الناس في جميع أشكال الحكم تنظيرا يؤسس اجتماع الناس تشريعا وتحاكم وهيكلة هي حراسة المجتمع علي أمره إنفاذا لما تواثق عليه مجتمع الناس وارتضوه فتضحي قوامة الأمر نيابة عن الشعب لا وصاية عليه
علي ذلك فاننا نقيم وثاقنا رؤية للإصلاح والبناء المجتمعي بحيث يعاد هرم الدولة تأسيسا علي وفاق الناس ومشتركهم الجمعي دينا وثقافة علي :
–تعزيز وتعميق الوعي الوطني بمبادئ الحرية والعدالة والمساوه وتجسيده واقعا يعيشه الشعب الموريتاني في جميع مناحي الحياة
–السعي الي تحقيق العداله الاجتماعيه بين جميع فئات المجتمع الموريتاني بمختلف إثنياته ومعتقداته وثقافاته
–نشر وتعزيز روح التسامح المجتمعي وترسيخ مبدأ القبول بالاخر بين كافة فئات المجتع الموريتاني لإخماد نار الفتن والنعرات الشرائحية التي تعالي صيتها بين مجتمعنا في الآونة الاخيرة
على هذا يجب ان يكون توافقنا وثاقاً أسسناه على أن تكون الدولة في موريتانيا معبرة عن المجتمع وتسعى في صالحه إليه تحتكم وبه ترجع وتردع نقيم أساسنا على مشتركات أهل موريتانيا العليا لا نبتدع وإنما نبدع حلولنا من الدين أساس نظري والتاريخ هوادي وتجربة وما راكمته الإنسانية من معرفة وتجارب حكيمة لا نضيق ماعون إستكناه الحقيقة والحكمة لكنا نؤطره حسب مطلقات ديننا وما تعارف عند شعبنا من عرف وعهد معاش.
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ).
والله ولـــي التوفيـــق