قراءة فكرية لإشكالية الدين والدولة من منظور محمد عابد الجابري (1) / السيد محمد حماه الله
محمد عابد الجابري مفكر مغربي (عربي) تنقل ما بين الإشتراكية والقومية يمثل نقطة محورية في الفكر العربي بمشروعه المعرفي الضخم عن نقد العقل العربي الذي يمثل لحظة فارقة في مسيرة النهضة تمايز بين مرحلتين ويمكن اعتباره دفعة التقدم في الإجابة على سؤال النهضة التي ابتدأت محاولاتها الجادة مع جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده ومن بعده تلميذ الأخير محمد رشيد رضا الذين كانو بحق طلائع الإصلاح في السياق العربي الإسلامي ما بين التحرر السياسي والنهوض الحضاري
الى أن كانت لحظة الجابري (وجيله من المنظرين) هي لحظة التقنين والرسم والإشتغال على الذات تساؤلا ومناقشة تعريفا وتشخيصا وتوصيفا لترياق ما تعانيه من أزمات وإخفاقات
الإشتغال على الذات من زاوية تحديات الذات حدا للهتافية الخاوية المتبجحة بالشعارات الفارغة دون مضمون ومحتوى حقيقي وتأديبا للتنطع البليد الإتكالي دون تحمل مسؤولية المواجهة وجلد الذات في مواطن الإخفاق بدل الإقتيات على منجزات الآخر داخل محدداته الثقافية والمعرفية تسولا لحلول أزمة الإغتراب والتخلف
الجابري دشن لحظة النهوض الحقيقي في الفكر العربي سواء بمنتوجه المعرفي أو تنقلاته الأيديولوجية والفكرية من فيلسوف ماركسي انتهاءا بمسلم ناقد يؤسس لنظر جديد في الفكر والتاريخ خاتما حياته وقلقه الفكري مفسرا للخطاب القرآني إستلهاما لمعقوليته وثرائه الخلاق في إنتاج الدلالات التي تضمن إستمراريته كمنظومة قيمية عليا ضابطة وموجهة للإجتماع البشري
الكتاب (الدين والدولة وتطبيق الشريعة) :
حلقة من حلقات قضايا الفكر العربي التي أراد لها الجابري أن تكون إجابة عصرية أصولية لأسئلة الراهن العربي ما بين الإجرائية وحتمية تحدي النهضة وتجاوز إشكاليات التخلف والإستبداد والإستغلال
إجابة لتساؤل ديني دينوي من مفكر مهموم بقضايا الإصلاح والنهضة
الجابري في نقد العقل العربي مهد الطريق بتشخيص علة العقل العربي بإستقالة العقل وحلول الغنوص والعقل اللا عقلاني كمنظومة تفكير حاكمة اللا وعي العربي على مستوى النخبة والعوام تكريسا لجبرية تبرر الركود والانحراف القائم بمبررات غيبية لا تنازع إيمانا ويقين
وقد أعقب نقده القيم والأهم في مسيرة الإنتاج المعرفي العربي منذ أنوار النهضة الأولى مع الطهطاوي وخير الدين التونسي سلسلة تعالج وتناقش قضايا وإشكاليات الفكر العربي وقد كان من أهمها كتابنا هذا (الدين والدولة وتطبيق الشريعة) لإهتمامه بسؤال المرجعية للدولة والتي رد الى تأثيراتها كل أنماط التفكير داخل العقل المسلم في حقولها الثلاث وفق صراع الرؤى السياسية بين التغلب والمناهضة بين الشرعية وروح الدين
الجابري قدم خلاصات يمكن أن تعتمد كأساس للتنظير لمسألة الدولة والأمة من المنظور الديني في الإسلام من منطلق أصولي ويمكن ترسيم هذا البحث كمحاولة جادة تؤسس لسؤال الدين والدولة في سياقنا العربي الإسلامي
المنهج العام للكتاب :
الجابري أسس مرجعيته على عمل الصحابة في عصر الخلافة الراشدة هروبا من التورط في تبني رؤية منحازة لتيار ديني معين وهو أيضا يجد فيها شئ من الإلزام الديني (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى) يغطي فراغ الإلزام النصي لشؤون السياسة والحكم في الكتاب والسنة بإعتبار أن الصحابة مارسو وشيدو صرح الدولة وطبقو الشريعة على أساس فهم أصيل لروح الإسلام سابق ومتقدم على أنواع الفهوم الأخرى التي ظهرت في إطار الصراعات والنزاعات التي عرفها التاريخ الإسلامي
وأيضا يعتبر في هذا السياق أيضا انه حتى الخلافات بين الصحابة (سواء تقديرات السياسة واستنباطات الفقه) وطريقة تجاوزهم لتلك الخلافات مما يمكن تسميته ب”عمل الصحابة”
ويقصد بعمل الصحابة مجموع ممارساتهم السياسية والتشريعية العملية والقولية فنحن أمام تجربة تاريخية مؤطرة بحدودها التاريخية الثقافية والإجتماعية ممتدة في الزمان والمكان مسقطة النص الديني على واقعها في أنقى حالات التمثل سلفا يقتدى وتجربة قاربت مثالها
المصدر : الطبعة الورقية من الصدى الصادرة هذا الأسبوع