فضاء الرأي

ماذا أقول عن السوسيولوجيا؟

ماذا أقول عن السوسيولوجيا؟ / محمد سيدي

أجثم بقلمي بين ثنايا أوراق متناثرة بيضاء كصفاء فكر صبي ، فارغ من كل مضمون ، تتملكني الحيرة ما جانب ، و يدفعني الشغف من جانب آخر ، و أنا أفكر في الكتابة عن “ السوسيولوجيا ” التي يتملكني حبها ، أو” علم الإجتماع ” كما يسميه البعض.

و أسندت لهذا العلم تعاريف عدة ، من أبرزها تعريف “معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية” الذي يعرفه بأنه ” دراسة وصفية تفسيرية مقارنة للمجتمعات الإنسانية زمكانيا ، كما تبدو للتوصل إلى قوانين التطور التي تخضع لها هذه المجتمعات الإنسانية في تقدمها “.

درست في” السوسيولوجيا ” مواضيع هامة جدا ، جعلتني أنسجم مع التخصص ، و أدمن على التأمل في الوجود ، و تعميق النظر في الواقع ، و آخد دروس من الماضي ، و إستشرف المستقبل.
من بين هذه المواضيع : ” مبادئ علم الإجتماع ” مع” أكست كونت “حيث أخذت أبجديات السوسيولوجيا ، ومن ” المصطلحات “مع ” فيبر و ماركس و بودون ” أخذت مفاهيم سوسيولوجية ، كمفاتيح لفهم السوسيولوجيا حسب تعبير الدكتور البرناوي .

و من” الفرنسية ” تعلمت كيف أخاطب الآخر المختلف عني لغويا ( الإفرنكفوني ) لكني حرمت تلذذ اللغة العربية في هذا التخصص، ومن” علم العمران البشري” أبحرت مع” إبن خلدون” في ماضي البشرية و تأملت حاضرها و ها أنا أستشرف مستقبلها.

ومن “الأنتروبولوجيا” تعرفت على مصادر المعرفة الإنسانية، المتمثلة في الإستشراق و كتابات البعثات المسيحية ، و تقارير الإداريين و كتابات الضباط الإستعماريين .

ومن” الدراسات الكولنيالية “فهمت الماضي الإستعماري، كما فهمت أنه حين إذنٍ تحركت ثلاثة عزائم، تتميز كل واحدة منها عن الأخرى، وإن كانت نتائجها متكاملة و مترابطة، أولها عزيمة الغزوي و ثانيها عزيمة إكتساح الأسواق و ثالثها البحث الدقيق في أحوال المجتمعات و تقصي أخبارها في الماضي و الحاضر.

ومن “الفلسفة “مع ديكارت و إفلاطون تعلمت كيف أفكر و كيف أفهم الحياة البشرية ، وكيف أصغي للآخر و إن خالفني الرأى ، بل أصبحت مستعد للتنازل عن وجهتي نظري في حالة بيان ضعفها ، و أصبحت أسامح من أخطأ في حقي ، و أشكر من أسدى لي معروفا.

ليس هذا فحسب ، بل تعلمت من “علم النفس” مع “افريد” ضرورة الإنسجام مع المحيط الإجتماعي ،وأصبحت أقرأ نفسيات الآخرين ، و أتفاعل معهم ، ومن” الإتجاه الحديثة” مع” إسبنسر “فهمت ماضي الإنسان القريب المتداخل مع حاضره المعاصر ، و ضرورة تكيفه مع التكنولوجيا الوافدة ،بشكل معقلن، ومن” التفاعل الرمزي” مع “جورج ميد” أصبحت أفهم إشارات الآخرين و رموزهم ، و إماآتهم الغامضة .

ومن” البنائية الوظيفية” مع “إسبنسر” الذي يشبه المجتمع بكائن عضوي ، وفي “الإنقسامية” مع “إستوارد” الذي درس المجتمع الموريتاني وقدم أطروحة حول شيخ من كبراء الزوايا ، وفي “الرعاية الإجتماعية “مع” إفريدلاند “الذي اعتبرها نسقا من النظم والخدمات الإجتماعية الأساسية و الضرورية للأفراد و الجماعات.

وفي” التخطيط الإجتماعي ” فهمت كيف أصل لهدفي من خلال مبدأ التكيف و التأقلم، وفي “الإرشاد الإجتماعي ” مع “زهران” أدركت ضرورة التوجيه و الإرشاد النفسي ، لأنهما يساعدان الفرد على فهم ذاته و حل مشكلاته، ودراسة شخصيته، ومعرفة قدراته و تحديد خبراته و تنمية إمكانياته.

ومن “التنظيم الإجتماعي” مع” بارنز” فهمت أنه ثمرة الجهود التي يبذلها الإنسان لتحقيق أهداف معينة تلبي له حاجات ضرورية ، ومن” الإحصاء”(statistique) تعلمت كيف أقوم بالدراسات العلمية الميدانية، ومن المنهجين الكمي و الكيفي (Method quantitative ou (qualititativ تعلمت كيف أميز بين المنهج الكمي و المنهح الكيفي في البحث العلمي .

ومن ” علم إجتماع الشغل” مع” جورج إفريد مان و برنافيل ” تعلمت أن الشغل يهتم بدراسة الآثار التي تمارس عليها مستويات مختلفة مع الإشارة إلى أن أنشطة العمل تظل قابلة للتشكل و التجدد تماشيا مع التطور التكنولوجي .

ومن” البطالة و سياسات التشغيل” فهمت أن العاطل عن العمل هو ذلك الشخص الذي بلغ سن النشاط ، و قادر على العمل و باحث عنه و مستعد له لكنه لم يجده ، حسب” المكتب الدولي للشغل” .

ومن ” التغير الإجتماعي” مع “ريمون بودون” فهمت أن لا وجود لمجتمع ثابت لا يتغير ، كل المجتمعات تتغير بشكل أو بآخر ، كما يؤكد ” كي روش ” أن هناك تغير إيجابي و آخر سلبي.

و في ” علم إجتماع الإتصال “مع” د / أحمد بوزبد” فهمت ضرورة الإتصال بين الأفراد والجماعات لتبادل الأفكار و الآراء و التجارب، كما يؤكد” إتشارلي كولي” بأنه الميكانيزم الذي من خلاله توجد العلاقات الإنسانية و تنموا و تتطور.

قبل أن أختم هذا المقال أسدي تحية إجلال و إكرام لأساتذتي الذين درسوني هذه المواضيع الهامة مع شكري و إحترامي، مبتهلا إلى الله أن يحفظهم جميعا.

لكن السؤال الحاسم عن كيف يمكننا الحفاظ على هذا العلم من الأفول و التلاشي في ظل جهل لدوره في بناء مجتمع متماسك؟

 

المصدر/ حساب الكاتب على الفيس بوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى