فضاء الرأي

مراحل فناء الموظف العمومي فى هذه البلاد

حين لفظ صديقنا الموظف أنفاسه الأخيرة فى مستشفى الشيخ زايد فى ذلك الصباح البارد من شهر نوفمبر الماضي، كان حسابه الجاري فى بنك وسيط مغمور ، يناهز ثلاثة آلاف وأربع مائة وعشرين اوقية جديدة؛ لا أقل ولا أكثر.
***

تنضاف الى ذلك المبلغ المحترم بمقاييس فئة ج من الوظيفة العمومية قطعة أرضية جنوب القمر الصناعي بتوجنين شَيد عليها بيت شديد التواضع مُشرع النوافذ لأسباب لا علاقة لها بالبحث عن الهواء الطلق.
يوجد فى فناء الحوش شريط زراعي بسيط كان المرحوم يزرع فيه النعناع مساهمة منه فى الحملة الزراعية لذلك العام. فهو شديد الانصياع لتوجهات الحكومة و حريص على التنفيذ الحرفي لرغباتها.
****
قضى المرحوم عقدا من الزمن موظفا غير مرئي بمصلحة شديدة البساطة فى إدارة سقطت من هيكلة الوزارة فى الدمج قبل الأخير الذي قررته حكومتنا الميمونة للوزارة التى يتبع لها صاحبنا.

****
كان شخصا لصيقا بالإدارة ويتقن معالجات الملفات فى وقت قياسي؛ ولكنه كان فى الوقت ذاته إنسانا بائسا جدا، لدرجة أنه كان يبكي فى أوقات إستراحة الموظفين التى حددها المدير بالواحدة خلاف المقرر الساري العمل به فى الوزارة. وكان مولعا بترديد أغنية ” وين الملايين” فى أوقات فراغه القليلة لاعتقاده الراسخ أن للأمر علاقة بميزانية الاستثمار.
****

ظل شهيد الراتب يطالب بمراجعة الرواتب والأجور ويطمع فى كرم الدولة فى أن تكبح جماح تجار شارع الرزق كان على يقين بطوباوية مطالبه، لكنه أصر عليها لسبب غامض .

كان يكره نهاية الشهر وأوله، ولم يرتح قط لفصل الصيف وتخيفه زوابع الشتاء
ورغم ذلك مات فى الشتاء …
مات دون أن يتحقق حلمه الذي عاش من أجله،وترك وصية طلب من مرافقه فى مشفى الشيخ زايد توزيعها فى أيام عزائه، كان مفادها اغلقوا المدرسة الوطنية للإدارة أو راجعوا مرتبات وحوافز موظفي وعمال الدولة.
الفاتحة على روح المرحوم.

بقلم/ اقريني امينوه 

كاتب صحفي 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى