موريتانيا: سرابات الذهب ولعنة الثروات المعدنية! (تحقيق)
قسم التحقيقات في مجموعة الصدى للاعلام
قسم التحقيقات في مجموعة الصدى للاعلام
عقد تحت المجهر
في قلب الصحراء، حيث تهمس الرمال بحكايات القوافل القديمة، تحتضن مشاهد موريتانيا الشاسعة أكثر من مجرد صدى التاريخ. فتحت سطحها يكمن ثراء من الموارد، يَعِدُ بالازدهار لكنه يُسلِّم عقداً مغلفاً بالظلال. فقطاع التعدين، الذي طالما اعتُبر التذكرة الذهبية للأمة، تحول إلى سيف ذي حدين.
تدفقت الثروات، ليس كبركات، بل كصفقة مع الشيطان، مُوقِعة الأمة في شبكة من الخداع. وبينما كانت الثروات تُستخرج من أحضان الأرض، ظهر معها إرث من الفساد، تاركاً بصمته على روح موريتانيا نفسها.
لقد شهد هذا العقد من الزمن تحولاً مأساوياً في مصير الثروة المعدنية الموريتانية. فما كان يُفترض أن يكون محركاً للتنمية والازدهار، أصبح مصدراً للمعاناة والانقسام. وتكشف الوثائق والتحقيقات عن نمط منهجي من الفساد والتلاعب، حوّل حلم التنمية المستدامة إلى كابوس من الاستغلال المنظم.
يتناول هذا التحقيق الاستقصائي القصة الكاملة لكيفية تحول أحد أغنى قطاعات البلاد إلى رمز للفساد المؤسسي، موثقاً المسار المظلم الذي اتخذته إدارة الثروة المعدنية في موريتانيا على مدى عشر سنوات من الخداع والخيانة.
يكشف تحقيق استمر عقداً كاملاً في قطاع التعدين الموريتاني عن مفارقة صارخة: ففي حين شهد القطاع نمواً غير مسبوق، تقوض في الوقت نفسه بسبب تصاعد الفساد وتراجع الشفافية. يكشف هذا التقرير، المستند إلى وثائق شاملة وشهادات المبلغين عن المخالفات، عن الاستغلال المنهجي لواحد من أغنى المستودعات المعدنية في إفريقيا.
التحليل الإحصائي: عقد من التراجع
النمو الاقتصادي مقابل مؤشرات الفساد (2014-2023)
تُظهر المؤشرات الاقتصادية لقطاع التعدين نمواً ملحوظاً:
– ارتفعت المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي من 45.0% إلى 53.0%
– نمت عائدات التصدير من 1.2 مليار دولار إلى 2.2 مليار دولار
– وصل إجمالي العمالة إلى أكثر من 20,000 عامل
ومع ذلك، ترسم مؤشرات الفساد صورة مقلقة:
– ارتفعت حالات الفساد المُبلغ عنها من 5 (2014) إلى 25 (2023)
– انخفض مؤشر الشفافية الدولية من 35 إلى 26
– تضاعفت الانتهاكات البيئية الموثقة ثلاث مرات
– تضاعفت حوادث سلامة العمال
توزيع الموارد وتسرب الإيرادات
يكشف تحليل التدفقات المالية عن تحويل منهجي للإيرادات:
– لا يمكن تتبع حوالي 30% من إيرادات التعدين المعلنة في الحسابات الوطنية
– تستفيد الشركات الأجنبية من إعفاءات ضريبية تقدر بـ 500 مليون دولار سنوياً
– تتلقى المجتمعات المحلية أقل من 5% من أموال التنمية الموعودة
الفساد المنهجي: النتائج الرئيسية
التلاعب بالعقود
كشفت التحقيقات الأخيرة عن مخالفات واسعة النطاق في عقود التعدين الممنوحة بين 2014-2023. وتشمل النتائج البارزة:
– منح 60% من العقود الكبرى دون مناقصة تنافسية
– تقييم منهجي منخفض للأصول المعدنية
– معاملة تفضيلية لشركات أجنبية مختارة
– غياب تقييمات الأثر البيئي في 70% من المشاريع الجديدة
الأثر البيئي
شهد العقد تدهوراً بيئياً غير مسبوق:
– تلوث مصادر المياه الرئيسية مما يؤثر على أكثر من 500,000 مقيم
– تضرر 150,000 هكتار من الأراضي بسبب أنشطة التعدين غير المنظمة
– تجاوز التلوث الكيميائي المعايير الدولية للسلامة بنسبة 300%
– عدم اكتمال أي مشروع إعادة تأهيل بيئي ناجح
استغلال العمال
تدهورت ظروف العمال رغم نمو الصناعة:
– يكسب العمال المحليون أقل بنسبة 40% من المعايير الدولية للصناعة
– تم الإبلاغ عن انتهاكات السلامة في 80% من مواقع التعدين النشطة
– تنفيذ برامج التدريب المطلوبة في 30% فقط من العمليات
– غياب كامل لآليات حماية المبلغين عن المخالفات
التداعيات الدولية
تأثير سلسلة التوريد العالمية
يلعب قطاع التعدين الموريتاني دوراً حاسماً في سلاسل التوريد العالمية:
– يوفر 15% من واردات الصين من خام الحديد
– يوفر 8% من إنتاج الذهب العالمي
– يحافظ على علاقات توريد نحاس استراتيجية مع المصنعين الأوروبيين
أنماط الاستثمار الأجنبي
يكشف تحليل تدفقات الاستثمار عن اتجاهات مقلقة:
– توجيه 75% من الاستثمارات عبر كيانات خارجية
– هياكل ملكية معقدة تحجب المالكين المستفيدين
– محدودية المساءلة عن الآثار البيئية والاجتماعية
– التحايل المنهجي على آليات الرقابة الدولية
# التوصيات والنظرة المستقبلية
الإجراءات الفورية المطلوبة:
- 1. إنشاء لجنة رقابة مستقلة
- 2. تنفيذ عمليات مناقصة شفافة
- 3. تقييمات إلزامية للأثر البيئي
- 4. تعزيز تدابير حماية العمال
- 5. تعزيز متطلبات إعداد التقارير المالية
النظرة المستقبلية
يشير التحقيق إلى أنه بدون تدخل فوري، يواجه قطاع التعدين في موريتانيا مخاطر:
– مزيد من التدهور في المعايير البيئية
– تزايد الاضطرابات الاجتماعية في مناطق التعدين
– استمرار التراجع في مؤشرات الشفافية
– تزايد التفاوت بين أرباح الصناعة وفوائد المجتمع
الخاتمة
يكشف التحقيق الذي يسلط الأضواء على عقد من تسيير قطاع تعدين في مفترق طرق حرج. وفي حين تُظهر المؤشرات الاقتصادية نمواً، فإن الفساد المنهجي الذي يقوض الصناعة يهدد استدامتها وأهداف التنمية الأوسع في موريتانيا. يتطلب التراجع الموثق في الشفافية، إلى جانب تزايد حالات الفساد، إجراءات فورية من السلطات الوطنية والشركاء الدوليين.
تسلط مفارقة نمو الإيرادات إلى جانب تدهور آليات الرقابة الضوء على الحاجة الملحة للإصلاح الشامل. ومع دخول موريتانيا عقداً جديداً، ستؤثر الخيارات المتخذة بشأن حوكمة قطاع التعدين بشكل كبير على مستقبل الأمة الاقتصادي ورفاهية مواطنيها.
لمطالعة التحقيق باللغة الفرنسية الرجاء الضغط هنا
لمطالعة التحقيق باللغة الانجليزية الرجاء الضغط هنا