آخرها في تشاد والسنغال.. نكسات فرنسا في أفريقيا ترسخ نفوذ الروس
الصدى – “أرم نيوز“:
يكشف قرار تشاد والسنغال، الدولتين القريبتين تاريخيًا من فرنسا، عن رغبتهما في مغادرة القوات الفرنسية المتمركزة في بلديهما، ما يعكس الفشل الذريع لسياسة باريس في أفريقيا، وفقًا لمراقبين، وذلك بعد أن سبقتها 3 دول أخرى في منطقة الساحل إلى اتخاذ القرار ذاته.
وفي نجامينا، بدأ العد التنازلي لتنفيذ هذه الخطوة، والتي أكدها الرئيس التشادي محمد ديبي في كلمة ألقاها بمناسبة العيد الوطني مساء الأحد، حيث قال ديبي إنه “اتخذ قرار إنهاء الاتفاق العسكري مع فرنسا لأن الزمن عفا عليه”.
وأوضح أن الاتفاق لم يعد يتماشى مع احتياجات تشاد الأمنية أو الجيوسياسية، مشيرًا إلى أن الاتفاق لم يكن له قيمة عسكرية كبيرة للبلاد في ظل التحديات الأمنية المختلفة، مع التأكيد على أن تشاد ستظل منفتحة على التعاون مع جميع الشركاء، ومن بينهم فرنسا.
وسيجبر قرار ديبي القوات الفرنسية على الرحيل بعد أن ظلت متمركزة هناك لأكثر من 6 عقود منذ استقلال تشاد.
ويؤكد الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية إدريس أحميد أن فرنسا خسرت مواقعها في العديد من الدول الأفريقية، لا سيما في منطقة الساحل، بسبب رفض شعوب هذه الدول “الإرث الاستعماري الذي لم تجنِ منه أفريقيا أي جديد”.
وأضاف أحميد لـ”إرم نيوز”، أن القرارات الحازمة الأخيرة ضد باريس جاءت نتيجة لاستمرار الشركات الاحتكارية الفرنسية في السيطرة على مصادر الثروات الأفريقية لعقود دون أن تستفيد منها الشعوب.
وأشار إلى أن تشاد، على وجه الخصوص، عانت من غياب التنمية، واستمرار الحروب الأهلية منذ استقلالها العام 1960، وهو ما دفع شعبها لرفض الوجود الفرنسي.
وفي تصريح لـ”إرم نيوز”، قال المحلل السياسي إن الرئيس محمد ديبي يسعى إلى انتهاج سياسة جديدة تقوم على الانفتاح على جميع المكونات التشادية، وإجراء إصلاحات جذرية، رغم اتهامه بالقبضة الحديدية، وقمع المعارضة.
ولفت إلى وجود أكثر من 300 فصيل مسلح في البلاد، رفضت العديد منها عروض المصالحة التي قدمها ديبي.
ولا يُستبعد أن تتجه نجامينا إلى موسكو في ضوء التغيرات التي تشهدها دول، مثل: بوركينا فاسو، والنيجر، ومالي، التي تقيم علاقات وطيدة مع روسيا في مختلف المجالات.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الساحل رحيلًا قسريًا للقوات الفرنسية من مالي، وبوركينا فاسو، ثم النيجر، حيث أُقيمت مجالس عسكرية معادية لباريس.
وكانت تشاد آخر دولة في المنطقة تستضيف القوات الفرنسية، التي كانت قاعدتها في نجامينا حجر الزاوية في النظام العسكري الفرنسي في أفريقيا.
ومع إعلان كل من السنغال وتشاد، في غضون ساعات، عن رحيل القوات الفرنسية، أصبحت السنغال آخر دولة تُضفي الطابع الرسمي على عملية “إعادة التنظيم” التي كانت باريس تستعد لها منذ فترة طويلة.
وصرّح الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي بأن “سيادة” بلاده “لا تسمح بوجود قواعد عسكرية”، داعيًا إلى “تجريد الشراكة” من الجنود الفرنسيين.
وفي تعليق على هذه التطورات، وصف عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الجبهة الوطنية تييري مارياني، إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا في تشاد، إضافة إلى نوايا الرئيس السنغالي بشأن الانسحاب، بـ”الكارثة” للسياسة الخارجية للرئيس إيمانويل ماكرون.
وأرجع السبب إلى ازدراء ماكرون للزعماء الأفارقة في مناسبات عدة، تمامًا كما أظهر ازدراءه للفرنسيين وفق قوله.
في غضون ذلك، قدّم مبعوث الرئيس ماكرون إلى أفريقيا، جان ماري بوكيل، تقريرًا حول إعادة تشكيل الوجود العسكري الفرنسي في القارة، داعيًا إلى شراكة “متجددة”.
ويرى محللون أن هذه التحركات تقدم لروسيا، في ظل نفوذها المتنامي في أفريقيا، فرصة ثمينة، فقد عززت كل من تشاد، والسنغال، التجارة مع موسكو في الأشهر الأخيرة.
وفي سياق متصل، أشار رئيس الوزراء التشادي السابق، والمعارض البارز سوسيس ماسرا، إلى وجود مؤيدين علنيين لروسيا داخل الرئاسة التشادية، مؤكدًا أن “فاغنر موجودة بالفعل”، في إشارة إلى شركة المرتزقة الروسية المرتبطة بالعسكري الراحل يفغيني بريغوجين، والتي تعمل، حاليًا، ضمن الفيلق الأفريقي.
ويرى نشطاء معارضون في تشاد أن تراجع مكانة فرنسا أمر طبيعي، بالنظر إلى دعمها المتكرر لنظام الرئيس السابق إدريس ديبي، حيث حضر ماكرون جنازته في العام 2021، مما أضفى شرعية على الانقلاب الذي أوصل ابنه إلى السلطة.
ومع ذلك، من المتوقع أن يحتاج الرئيس التشادي الحالي إلى دعم خارجي جديد لضمان استقرار نظامه، على غرار الرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو، الذي يعتمد بشكل كبير على الشركاء الروس.