مقالات و تحليلات

أحمد نجم يكتب : الغيرة مرض اجتماعي ونفسي

أحمد نجم / كاتب مصري

لكل متميز و متفوق عيون ترقبه تتسم بالغيرة مما وصل عليه. وقد يعتبر هذا الشعور طبيعيا في بعض الأحيان في العمل من أجل التنافس المشروع   لكن ، أن يتحول هذا الشعور  إلى غيرة مزمنة وضيق بما وصل إليه الآخر نتيجه اجتهاده في خطواته ،بينما تنعكس صورة الغيرة على صاحبها و تؤثر سلبا على صحته النفسية وأدائه في العمل ليصاب بمرض الغيرة المدمرة للذات.

دائما الشخص الذي يغار يتسم بضعف الشخصية وعدم الثقة في نفسه و يسيطر عليه إحساس بأن الأخر أفضل منه و أن لديه إمكانيات تفوقه ويظل يملأ قلبه بالأحقاد وعقله بالأفكار السلبيه ،تكون سببا لإصابته باكتئاب وانعدام الثقة في قدراته وأحيانا يفكر في الخلاص من نفسه بالانتحار أو  إيذاء الأخر لإعتقاده بأنه مهما اجتهد لن يصل لما وصل عليه الأخر .و أنه أضعف من أن يتحمل الابتلاء .
و كثيرا من وقعت حوادث قتل ايذاء كان شيطان الغيرة هو المسيطر .

أحيانا ترتبط الغيرة بمشاعر الغل والحقد والكره من نجاح شخص ولا يتمنى له الخير بل يقلل من اجتهاده ويرجع  نجاحات الآخر للحظ والظروف  و قد يحقد شخص علي مستوى حياة مرفهة  يعيشها الأخر ،و يتحول ألي كراهيه له.أو لأن من حوله يحبونه ويحترمونه  و يتمنَّى زوال النعمة علي من يغار منه . حينها يفقد  الشخص الذي تملأ قلبه الغيرة و الحقد كل مشاعر الرحمه داخله والحنان من قلبه كما يقول ابن القيم .

ولا تربط الغيرة بمستوي إجتماعي معين.فهي أفه في كل طبقات المجتمع ووظائفه .ذات يوم جمعني عشاء مع أحد الوزراء السابقين  للتربية و التعليم و كنت ضمن فريق مستشاري مكتبه الإعلامي و افضي لي بأن من أسباب خروجه من الوزارة غيرة أحد نوابه الذي استولى علي ملف أعده الوزير لتطوير العملية التعليمية وقدمه سرا لرئيس مجلس الوزراء حينها علي أنه من بنات أفكاره بخلاف الإساءة لبعض قراراته الوزارية وتفسيرها بنظريته عكس الهدف المأمول منها بغرض الإساءة له .

واتذكر واقعة مشابهه حدثت بين وزيرا  للري و أحد المرشحين لتولي نفس الوزارة ، حينما أعد الوزير ملف به إساءة للمرشح الوزاري وقدمه للمهندس ابراهيم محلب الذي كان يقوم بتشكيل وزارة جديدة بينما قام المرشح للمقعد الوزاري بنفس الشئ ضد الوزير . وهو ضرب من تحت الحزام .

يمكننا أن نعرف الغيرة بأنها الشعور الذي يسيطر علي الإنسان ضعيف الشخصية تسبب له استياء تجاه الآخرين وتسيطر عليه الوساوس القهرية والأوهام والهواجس ،تجعله يقوم  بسلوكيات غير مقبولة ومتطرفة تجاه الأخر .  ويعيش حالة الحزن، والغضب وجنون العظمة و أحيانا يتسم بالعنف تجاه الأخر للتقليل من شأنه في كل لقاء .

الغيرة عاطفة إنسانية طبيعية لو صارت بصاحبها نحو هدف نبيل  ربما تكون حافزا للتقدم من خلال مفهوم المنافسة لتحسين بعض الأوضاع،  لكنها قد تتحول إلى رغبة في التملك و الأنانية حتى تصل  أحيانا إلي مرض أو اضطراب نفسي .  يعرف باسم “متلازمة عطيل” أو الغيرة الوهمية المرضية
وهناك الغيرة الأسرية بين الأبناء أو الزوجين وهو ما سوف نتحدث عنه في مقالنا القادم .

وتبدو الغيرة المرضية  بأشكال مختلفة فالشخص الغيور يتسم بالعديد من الممارسات والتصرفات التي تكشف غيرته، مثل النقد الدائم والتشويه و التقليل من نجاح الأخر و إلقاء اللوم 
و الشك في الأخر دون مبرر و أحيانا يسعي
للإساءة اللفظية أو الجسدية للآخر و البحث
عن أخطائه .و الميل للعدوانية تجاه الشخص الذي يغار منه لكونه الناجح أو المتميز عنه أو لأنه اجتهد في الوقت الذي ظل هو يلوم الظروف فجلس في مكانه ولم يتقدم .كارها لاعنا كل شئ حوله .

دائما ما تكون هناك اختلافات في رؤي الغيرة المرضية عند البعض . فمنهم من يسعي دائما ليكون أفضل وأفضل ولا يلتفت لمن يغار منه  وتعطيه حافزاً ودافعا لتنمية قدراته ليظل في المقدمة في كل مهام عمله ، بينما البعض تؤثر فيه تصرفات الشخص الذي يغير منه و يستسلم لاتهاماته  فتحبطه، وتقلل ثقته بنفسه و تشككه في قدراته فينجرف تجاهه ويبادله العداوة 
و الإساءة اللفظية 
و الحسية و تبادل الاتهامات ويتحول تدريجيا إلي شخص يغير من الأخر ..

لكي يتخلص الشخص من الغيرة لابد من تدريب نفسه علي شكر وتشجيع الأخر وإبراز أجمل ما في العلاقات الإنسانية و الشعور بالقناعة و الرضا وتدريب النفس على الإمتنان على جميع نعم الله الذي أعطي لكلا منا ما يستحق . فالله عادل في توزيع النعم علينا .

أنت يجب أن لا تكره من يغار منك . حاول أن  تقربه منك بحذر ، و قدر  غيرته منك لانك الأفضل     
 و لا تَسخر  منه .

يجب أن تتجنب الغيرة بأن تحتفظ لنفسك بكل ما هو جميل أمام المفتقر  لذلك  . لا تسمح لنفسك بذكر كل تفاصيلك للأخر ، مهما كانت العلاقة بينكم ، احتفظ ببعض نعم الله عليك ، البعض ليس لديه نوايا حسنه  بل معظمهم لديه الحسد و الغيرة مما لديك . لا تسمح لأحد بأن يحيطك بفضوله لمعرفه كل شىء عنك  لأن الفضول يولد من الغيرة  والغيرة تولد من الحسد .

ولا يوجد  تعارض بين قول الله تعالى ( وأما بنعمة ربك فحدث ) وحديث الرسول الكريم
استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود . 
في التوفيق بينهما : لأن الكتمان يكون قبل حصول النعمة ، فإذا حصلت النعمة وتحققت ، وأنعم الله عليه  بالحصول ما يريد ، فيجب أن يشكر الله و يتحدث بالنعمة ، و إذا خشي من العين المرضية التي تغير من نجاحاته أو الحسد فيجب أن يحتفظ لنفسه بها.

حاول أن تمنحه الثقة بنفسه وتشجعه وتخبره  أن لديه إمكانيات ليكون الافضل . دعم في قدراته شيء بسيط يتفوق فيه  ونمي لديه الإحساس بأن لديه إمكانيات ليست لدي الآخرين . ذكره بأن الله أعطي لكلا منا قدر معين من النعم . فان فاقد البصر متميز في شئ و يتمني أن يكون بصيرا . فكلا منا ليس لديه كل شئ ..

كلا منا يكمل الأخر ليستقيم المجتمع .هناك طلاب الفصل الواحد . منهم يتخرج استاذ الجامعة و المعلم و الطبيب و القاضي و المهندس و ايضا عامل السباكة و الميكانيكي وعامل القمامة  وكلها مهن محترمة لولاها لتوقفت الحياة و ما استطاعت أي مهنة أن تعيش وحدها في المجتمع لأننا نحتاج لكل يد في الأعمال المختلفة

ذكره بأن نجاحك لم يتحقق إلا بالمرور بقسوة التجارب و أحلام  الاماني . وانك حرمت نفسك من رفاهيات كثيرة لتحقيق ما وصلت إليه .

ذكره بأن القناعة والرضا بالحال أعظم سعادة يحياها الإنسان ..

المصدر : الكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى