أرجوكم لا تتوقفوا عنْ دور المُتعلم الدائم./ الأستاذ زكريا كردي
عُشْرونَ عاماً ، وطلابي يظنّون كلّ الظن ، انّي اعلمهم بضع وريقات بسيطة من منهاج الفلسفة وحسب ، بينما أنا أزعم طوال تلكَ المدة ، أنّهم لن يكونوا على دراية، بسرّيَّ الدفين ، المؤرّق لي على الأقل ، وهو أنّي كنتُ بينهم الطالب الأول للفهم وللتعلّم ، والمُتحمّس الأبرز للبحث والتقصي ..
وكنتُ في كلّ مرة ، عندما أدخل عليهم حجرة الصف، أتلو عليهم فكرة جديدة ..
أسألْ كما يسألون ، وأدْهش كما يُدْهشون ..
وكثيراً ما كنتُ أصدمهم بحقائق الدرس المُقرر عامداً ، حتى تلك التي لا اعتقد شخصياً بصوابها..
كنت انظرُ إليهم بترقبٍ ، لحظة تصادم عقولهم الغضّة مع أعقد الأفكار، وأعمق الأراء و النظريات لجهابذة الفكر والفلسفة ،
وأتابع ردود أفعالهم ، التي كانت تنوس بين حيّزين ، تارة بطيش وسُخرية و إستخفاف السراب ، وتارةً بجدية وحماسة واعجاب ..
ولكن .. و أيّاً كانتْ مَظاهر سلوكهم و ردود أفعالهم ، فقد كنتُ أتعلّم منهم دوماً شيئاً جديداً .. وكنت كثيراً ما أنصحُ زملائي في المهنة ، قائلاً لهم :
أرجوكم لا تتوقفوا عنْ دور المُتعلم الدائم ،
لأنه في – إعتقادي – لا يوجد أخطر أمراً على الفهم ، وأسوأ على الحقيقة، من أنْ تكونَ مُعلّماً دائماً وحسب ..