“اتراجيديا” الثقافة / الولي سيدي هيبه
من أجل الحصول عل فتات من المال المشوب بدنس الاستسهال يستظل الصغارُ من باعة الضمير المعرفي و الفكري و الثقافي و السياسي و الحس الوطني بظل الكبار من الرؤساء القبليين الخالين من النخوة و الإباء و العزة، المعتلين زائف السروج الوهمية و العروش المغشوشة المرصعة بكاذب عناوين الفروسية و المعرفة و كرم المحتد و علو المحامد.. و من غثاء السياسيين المترنحين بين خواء المحتوى التبريري و غياب الخطاب الحامل جوهر السياسة المستنيرة و مشاريع البرامج البناءة.. و من كبار الضباط المتقدمين النافذين.. و من الماجنين و الماجنات من أصحاب و صاحبات الصالونات المُحاطين سرا بأعين أكابرهم في العشائر و شركائهم في جني الثمار من تحت طاولات القمار إحاطةً تفضحها المطامع.. و من سيئي رجال المال السهل المكدس في المصارف الخصوصية التي تنبت كالأعشاب الضارة و لا تقرض إلا كل مناع للخير و كل عتل و زنيم.. و ترى هؤلاء “المستظلين” المرحليين يؤسسون، في أسوء فصول “اتراجيديا” الفكرية و الثقافية التي يعيشها البلد، المراكزَ البحثية باهتمامات لفظية “ضخمة” كـ”الإستراتيجية” و “الفكرية” و “العلمية”، و المؤسسات و الروابط و الجمعيات التراثية و التاريخية و الأثرية و الثقافية العقيمة باهتمامات وهمية و ابتزازية سقيمة باسم “التاريخ” و “الأصالة” و “التراث” و “التنوير”، و ما في المُفرزات و الإنتاج من مصدق أو مقنع أو محفز.
الإقطاع بحلة التجديد
برلمانيون مدللون، وزراء في غنج، سفراء في راحة استجمام و مسؤولون كبار مطاعون على رأس مؤسسات مركزية، محسوبون جميعهم في تقلدهم هذه المناصب على الجهد القبلي المحموم و “اللوبياتي” المدعوم و السياسوي المرجوم و نفوذ كبار الضباط المعلوم كما يحلو للبعض التشهير بذلك عن معرفة و إدراك و محاذاة و احتكاك، أكثر من الاعتماد على قدراتهم التخطيطية و مهاراتهم التسييرية و ملكاتهم الاستشرافية و حسهم الوطني المرهف. و ما الدليل على ذلك بأبعد من الأوضاع المزرية في عمومها للوزارات و السفارات و المؤسسات و الجلسات البرلمانية الماراتونية على تداخل المسؤوليات في فوضوية يطبعها غياب التنسيق و مركزية القرار على الرغم من ضخامة الميزانيات المنفقة عليها من مدخولات مقدرات البلد معادن و بترول و سمك و من عائدات الضرائب الهائلة التي تُجبى. نعم إنه بلاء الإقطاع “السيباتي” المعادة صياغته في قوالب سيئة التصميم مهتزة المخرج لا تقوى على بناء؛ إقطاع “سيباتي” لا تخطئه العين يستوطن النفوس و يقود الفعال و يضيع المآل لتظل روح التسلط تراوح مكانها فتعيث فئة من البرلمانيين المدللين من علية أقوامهم و أغناها و أولاد و نساء و رجال قلة فسادا في ممتلكات الدولة في حين يشقى السواد الأعظم من مواطني البلد في قهر الإقطاع و ما يتسبب فيه من التباين و التمايز.. وكأن الأمر طبيعي في عصر صارخ بالمساواة و حكم المواطنة.
ارفعوا أيديكم!
ارفعوا أيديكم أيها القبليون بنوايا و أفعال التسلط من عمق ميراث “السيبة” السيئ، و شهادات معطلة في حانات ترف الوظيفة المهداة و المنتزعة… ارفعوا أيديكم أيها المحرفون للتاريخ و باعة فصوله دون ذكر مُره لتقدير حلوه، و كفوا أهل شهوة المهرجانات بين أطلال الماضي المنسي عن قتل اللب و تسويق القشور… أرفعوا أيديكم أيها الشعراء الذين ذبحوا الشعر و غيروا مجرى نهره عن مصبه الخصب و حرموه عناق بحوره الفياضة… ارفعوا أيديكم بغاة الإعلام، من رخيص أهله و سيئ المدعين، عن رسالته الحضارية و الإنسانية ليتولاه الخيرون … ارفعوا أيديكم دعاة التجديد في الدين بمستورد غريب الدعوة و شاذها عن المتبع رغم نقاط الضعف التي تعتري بعض تطبيقاته… ارفعوا أيديكم أيها المفسدون بالولاء القبلي الشرائحي و الإثني الطبقي و السياسوي الآثم لنيل قصعة من المال الذي ما كان ليوجه إلا إلى إصلاح حال البلد و نشر العدل بين أهله و بناء القوة و تحقيق المنعة… ارفعوا أيديكم أيها الممسكون بمجاري خيرات البلد الوفيرة عن تأسيس اقتصاد يتقاسم فيضه كل الشعب و ترتفع به هامة البلد إلى أعلى بسواعد أبنائه لا بأيدي الصينيين و المارة إلى القارة الأوروبية… كفاكم تضييع الوطن إن الوقت يمر.. يمر و لا يرحم.
الكذب، حق مكتسب و “فيتو” احتقار
في الغرب و الشرق و في الجوار يُسقِط الكذبُ الوزراءَ و كبار الموظفين و المسيرين من مناصبِهم و يحط من قدرهم في الأوساط الجماهيرية بل و يقذف بهم إلى سحيق النسيان. و لكنه الكذب في هذه البلاد الذي يعتبر حقا مكتسبا لذوي المنزلة العالية و المناصب الكبيرة المنتزعة بقوة المخالب و خسة المكر يمارسونه جهارا بكل وقاحة و كأنه “فيتو” احتقار يستخدمونه على قدر و مكانة و حق الآخر لإنزاله من صهوة العزة إلى أسفل نعالهم. في الوقت الذي سقط “فرنسوا فيون François Fillon” بفرنسا سقطة اللاعودة لأنه كذب حول إيثاره زوجته بالمال العام كما سقط غيره في عديد البلدان لذات السبب يرفعُ فيه الكذبُ و النهبُ و الفساد و الحربائية و النفاقُ – كما هو الحال منذ تأسست الدولة – أصحابَه في هذا البلد إلى أعلى المنازل و يلبسهم من حقوق مواطنيهم حللا “قشيبة” في ظاهرها “جهنمية” في باطنها ليتمكنوا من تبوء المناصب التسييرية المشتهاة و ليعيثوا فسادا و يزدادوا ممارسة له و تمكنا به من إقصاء و إهانة من أرادوا من عباد الله تسلطا و قهرا دون اعتذار أو استجابة لوخز من الضمير..إن كان للكذابين حقا من ضمائر تحس.
غياب بلد “المليونيات” عن الإبداع و الإسهام
في جناح “إفريقياتك AFRICATECH” المخصص للابتكار الإفريقي ضمن معرض كبير للتطبيقات المعلوماتية الشاملة و على الهواتف المحمولة بشكل لافت، ظهرت طاقات شابة مبدعة من كل أرجاء القارة و هي تقدم لعلم البرمجيات من التطبيقات المذهلة ما يسهل كثير أمور كانت تتطلب جهدا عضليا و ذهنيا كبيرين يعجز الكثيرون عن القيام بهما عن طريق كبسات أزرار بسيطة على هواتفهم المحمولة. و أبدع شبان من المغرب و نونس و مصر حيث قدموا تطبيقات تهتم بواقع الحياة اليومية و تقدم خدمات سريعة. و ضرورية. و من السنغال قدم شاب تطبيقا فريدا للأميين يمكنهم من التعامل التام بالكبس و الصور مع الهواتف و الاستفادة منها دون القراءة و الكتابة. و بالطبع فقد سُجل عن الإبداع و الإسهام الغيابُ المطلق لأهل بلد “المليونيات” و صناعة الكلام بشقي المدح و القدح و تطبيقات الغير و استهلاك إنتاجهم من الشاي و المركب و الثوب و المأكل إلى العقاقير و كل ما يمكن استيراده بعملة البلد الصعبة ثمنا بخسا لمقدراته التي ينعم بها بعد استغلالها الأقوياءُ من حولنا بالعلم و الابتكار و العمل و الهمة العالية.