الأخبارفضاء الرأي

«استقلال ناقص».. و15 عاماً لإتمامه! / محمد المني

الصورة من حكومة الاستقلال الداخلي في مقرها بمدينة اندر السنغالية

في مذكراته القيِّمة «رحلة مع الحياة»، يقول المرحوم العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه: «بعد ثلاثة أشهر على (تسلُّمي حقيبة التعليم) رأيت مع الأخ الدَّي ولد سيدي بابَ والأمير محمد فال ولد عمير -الذي كان مستشاراً ولم يكن في الحكومة- أنه يجب أن نضع حداً للتجربة الفاشلة، وقد تم اتخاذ هذا القرار الداخلي بالتنسيق مع أطراف سياسية أخرى، من بينها الصديق أحمد مختار امبو الذي كان أيضاً وزيراً للتعليم في الحكومة السنغالية. وقبل أن ننفذ القرار كان علينا أن نعمل على أن يَسير المختار ولد داداه معنا في نفس الاتجاه (…) حاولنا استدراجه معنا وقررنا أن نلتقي معه فرادى، ولكن رده كان دعوتَنا إلى الانتظار؛ وأذكر أني سألتُه عن المدة الزمنية اللازمة، فتحدث عن خمسة عشرة سنة!»
وحين نتأمل هذه المهلة الزمنية نلاحظ أن تحديدَها صادف الكثير من التوفيق في الواقع؛ ففي عام 1974، أي بعد التاريخ الذي يتحدث عنه الدكتور محمد المختار بحوالي خمسة عشر عاماً، كان صدور القرار التاريخي بتأميم شركة «مفيرما» وإنشاء الشركة الوطنية للمناجم (سنيم) لتحل محلَّها. وقبله كان الانضمام لعضوية الجامعة العربية في عام 1973 تتويجاً لخمسة عشر عاماً من الطَّرق المتواصل -بلا ملل ولا كلل- على أبواب «بيت العرب». وقبله كان إعلان الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي وتأسيس البنك المركزي الموريتاني عام 1972 تمهيداً لإنشاء الأوقية، ثم مراجعة الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا في عام 1973. وقبل ذلك كانت القرارات الثورية لمؤتمر «قضايا الاستقلال الثقافي» عام 1966 في مدينة العيون. وقبله كان قرار الاستغناء عن الدعم المالي الفرنسي في عام 1963 تكريساً لاستقلال إرادتنا السياسية، وسبقه في عام 1961 قرار بتقليص ذلك الاعتماد تدريجياً. وقبل ذلك، أي بعد أقل من عامين على التحاق جماعة ولد عمير وولد سيدي بابَ بالمغرب، افتكَّ الموريتانيون في مفاوضات باريس عام 1960 اتفاقيةً للاستقلال بشروط أفضل من شروط الاتفاقيات المماثلة التي وقَّعتها قبلهم بلدان «أفريقيا الفرنسية» الأخرى.

محمد المنى / كاتب صحفي موريتاني مقيم في أبوظبي

إن الاستقلال التام الذي يتحقق فوراً وبشكل ناجز وكامل، قلَّ أن يتأتَّى إلا من خلال ثورات شعبية مسلحة تخوضها مجتمعات متبلورة تاريخياً، أي ذات شخصية وطنية مندمجة في التاريخ والجغرافيا والتنظيمات المؤسسية (ميراث الدولة المركزية)، وهو ما حدث عربياً وأفريقياً في حالة الجزائر وحدها. أما في حالتنا فكانت المطالب الإقليمية جنوباً وشمالا وشرقاً، ووجود قوى سياسية داعمة لتلك المطالب، تستدعي الصبرَ خمسةَ عشر عاماً على «استقلال ناقص» أو «استقلال ممنوح» (كما اعتاد المختار ولد داداه أن يصفه بالعبارتين في حينه)، لكنه استقلال قابل للتطوير والتحسين – بإرادة وصبر أهله وجهدهم – لكي يغدو «استقلالا تاماً»، كما كان يقول المختار أيضا!

رحم الله الدكتور محمد المختار وتغمَّده برحمته وجميع المتوفين من جيل التأسيس والاستقلال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى