الأخبارالصدى الثقافيفضاء الرأي

الإستقلال الثقافي (6) / بقلم : لسيد محمد حماه الله

السيد محمد حماه الله

مجالات اشتغال الإستغلال الثقافي (أ) :

اللغة :

اللغة في أي مجتمع هي المحدد الواعي للبناء الفوقي وهي ليست مجرد وسيلة تواصل وتخاطب فقط (على أهمية وعظم هذا الدور) وإنما هي نظام الأفكار الذي يشكل عليه الوجدان الجمعي هي تصورات المجتمع عن الوجود والواقع والمصير هي المجتمع في تجليه الواعي واللغة هي من تمنح غيبيات المجتمع المعنى وتعبر عن مطلقاته ومجرداته فالإنسان يفكر كيفما ينطق

اللغة هي المعيار

هي التي تحدد من خلالها المضامين والإحالات وتضبط المصطلحات والمفاهيم اللغة هي التي تحدد وتحكم تشكل المعاني من خلالها يفهم ويحس ويعاش الانتصار ، المجد ، الفرح ،المحبة ،الإعتزاز ونقائضها هزيمة وألم ذل وقهر

وكل معنى مفارق أو متجسد ومنها تتحدد مفاهيم المباح والمحظور والمفكر واللا مفكر فيه

تركيز المستعمر (المستغل) على اللغة لانه يريد يسلخ المجتمعات عن ذاتها بجعلها مفرغة بلا وجدان عارية عن كل ما تدفع به في معركة الوجود بعد أن تسلم درع هويتها ولا يبقى لها إلا الإستسلام مقابل حياة خاضعة خانعة ذليلة بلا روح فلا تجد إلا فتات ما يمن به مستعمرها متشبثة به تتصور أنه طوق نجاتها وما هو إلا حبل إعدامها تلفه رويدا رويدا حول رقبتها تمسخ ذاتها كلما ذابت وتشبعت بقيم الغاصب المحتل تنطق بلسانه ميتا بين يدي غاسله

وقد كانت أعظم انتصارات الغزاة ليس حكم البلاد وإنما توطين اللغة وهو ما كان أبرز تجليات الاستعمار الأوروبي بإحلال لغات المستعمرين مكان لغات اهل البلاد بأشكال متفاوتة بين شعوب خنعت نظرا لنفاد ذخيرتها الثقافية (أو هكذا صور لها) وبين أخرى تأثرت بمستويات متفاوتة فالكل تنكر للسانه وأضحى يرطن باللاتينية كل حسب لكنة ولهجة مستعمره وهو أمر كثرت مبرراته (وما أكثرها في موريتانيا للأسف) لكن الحقيقة أن بقاء لغة المستعمر بعد طرده ما هو إلا ترسيخ وتجذير التبعية النفسية للمستعمر

 

التعليم :

التعليم هو تلقين الحقائق والتصورات عن العالم من هنا كان الإهتمام بالتعليم من جانب الإستعمار بهدف صناعة أجيال غربية في مجتمعات غير غربية تستلهم وجهة النظر الغربية منطلقة منها وتعبر عنها كحقيقة مطلقة

من خلال التعليم رسخ المستعمر فرية قطبية الحضارة وأحادية التمدن الإنساني في التجربة الغربية والصعود بها كمعيار وحيد مسلم به وفق دعاوي التقدم والتخلف

ودور التعليم في العصر الحديث أخطر مما كان عليه في العصور القديمة لأنه بتغول الدولة على كل المجالات بما فيها التعليم أصبح شكل ومنهج ومحتوى التعليم هو القالب الذي يصاغ عليه المجتمع الحقيقة أضحت واحدة هي ما تقره مناهج التعليم سيفا على الرقاب ومن هنا خطورة التعليم بسطوة الدولة عليه الدولة التي قوامها نخب الاستعمار والتي تمرر مقولات الاستعمار من خلال نظم التعليم ومناهجه وحتى وسائله إذ أني لأعجب وانا القادم من المشرق من بلاد ليست من مراكز العالم الإسلامي كيف لبلد كموريتانيا كل العالم الإسلامي ينظر إليها بإعتبارها ذخيرة الثقافة العربية الإسلامية بلد المليون شاعر المليون حافظ والمليون فقيه أن تكون لغة التعليم فيها ليست العربية

لابد أن تراجع وتقيم تجربة الإستقلال في هذا البلد حتى نعرف هل كان إستقلالا حقا أم شيئا غير ذلك

 

العادات والتقاليد :

في حرب المستعمر على روح ووجدان الشعوب المستعمرة ركز الغاصب الغربي على خلع المجتمعات من اعرافها وتقاليدها بإزدرائها وعرضها بإعتبارها ضربا من البدائية والتخلف فراجت دعاوي الانحلال من العادات والتقاليد التي عادت عند كثيرين من أدعياء الغرب وعملائه ومخبريه المحليين مرادف التخلف والجهل

ومن هنا كانت دعاوى محاربة العادات والأعراف والتقاليد بفرية إعاقتها للتطور لكن الحقيقة أنها تعيق سيطرة المستعمر على الشعوب وهي ما يحفظ للمجتمع ذاتيته مما يؤكد حقيقة إستقلاله الفطري الذي يجب عليه أن ينازع ويكافح صيانة له عن أي تبعية أو إستغلال

من هنا ركزت الإمبريالية على العادات كنواة صلبة للمجتمع وبتفتيتها يكون المجتمع كثيبا مهيلا يسهل إلتهامه وتوظيفه

دعاوي النيوليبرالية المتفسخة اليوم هى جولة أخرى من الحرب الاولى التى شنها المستعمر بوكلائه المحليين على العادات والتقاليد التي لم تفتأ حتى في توظيف الليبرالية كرؤية إنسانية تدعو للحرية والديموقراطية ذاهبة بهما مدى غير محمود يرتد فيه الإنسان الى حالة البهيمية الأولى ولكم هو عجيب أن تكون  الليبرالية هي ممر ومبرر أجندة الإمبريالية القهرية

فكل دعاوى التفسخ هي ليست دعوة للحرية وإنما سلب عود المجتمع عن كل ما يحتمي من قيم وأعراف هي اللحاء الواقي الذي يحفظ المجتمع ويقيمه كما قال أبو تمام قديما :

 

ويبقى العود ما بقى اللحاء

 

دعاوى النسوية (Feminist) جزء من الحرب على الهوية وقفز على المجتمع والتاريخ فالمرأة في أفريقيا ليست هي المرأة في آسيا ليست هي المنحلة سيمون دي بفوار وكما قالت الناشطة النسوية أن معركة المرأة الافريقية ليست ضد الرجل الافريقي وإنما بجانب الرجل الافريقي ضد الإستغلال الإمبريالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى