الإستقلال الثقافي(7) / السيد محمد حماه الله
مجالات اشتغال الإستغلال الثقافي(أ) :
منظومة الحكم :
من بين أشكال تغول الإستعمار على مجالات الحياة وتشعباتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية نجد أن اخر ما أهتم به المستعمر هو منظومة الحكم والبناء السياسي للدول إذ أنه لازم كل ما سبق (من اجتماع وإقتصاد وسياسة) ونتيجة له
لم يهتم المستعمر أولا بالحكم وإنما بأنظمة التعليم وعزل النخبة بتنشئة أجيال من المستغلين على نهج مغاير على ما عليه مجتمعاتهم واستنساخهم وفق قيم وعادات وتقاليد ترسخ تبعيتهم ودونيتهم تجاه المستعمر تبعية عبد لسيد
ومع محاولته صناعة هذا المسخ صنع أشكال معلبة غير موصولة بقيمة ولا أثارة من علم
المستعمر صنع منظومة منبتة عن المجتمع ومنقطعة عن المطلق بفرية الحياد تجاه النسبي والمختلف عليه بين الناس بأرضية منظومة الحكم ومؤسساته دون أي وصاية دينية ما هي إلا خدعة أراد بها المستعمر الإنفراد بإنسان المجتمعات المستعمرة بعد أن قطعو أواصر العصمة لديه من قيم وتقاليد وجعلوه غريبا وحيد في عالم كثير أفراده لكنهم لا ينظمهم جامع ولا وثاق
قزم المجتمع وفتتت كتلته الصلبة وجزء أفرادا غرباء يسهل إلتهامهم الى أن كانت ضربة الاستعمار القاضية في صميم كيان المجتمعات بحصان طروادة البراق بدعاوى فصل مؤسسة الحكم عن الدين لتضحى ألعوبة في يد المتنفذ دون رادع ولا وازع (إن الإنسان ليطغى أن راءه استغنى) فتصبح المصلحة والمصلحة فقط هي المعيار دون لصالح قوامه معروف الجماعة يطلب ومنكر يدفع
إزاحة الله من مشهد الدولة لم يكن لصالح الدولة (وبالضرورة لم يكن لصالح المجتمع) وإنما لفوضويتها والتصرف فيها وفق أهواء المستغلين عبثا في التشاريع والقوانين فما هو حلالا اليوم يحرم غدا إذا اقتضت مصلحة النافذين ذلك وما حرم اليوم يحل أيضا غدا إذا اقتضت مصالح نفس النافذين فالدولة ما بعد الإستعمارية لا تعرف النظام بقدر ما تعرف التسيير وفق مصالح الإستعمار فهي مؤسسة ريعية قبل أن تكون منظومة اجتماعية تعمل على إحتياجات مجتمعاتها
فلم تعد مؤسسات الدولة محايدة حين أقصي منها الله وإنما مدجنة مكبلة ذليلة تخدم مصالح الأقوياء
استفردو بالدولة والناس حين غيبو الدين
العولمة (globalization) :
جماع الإستغلال الثقافي هو ما نشاهده اليوم ما يروج له تحت دعاية (العولمة) التي تعني في أصدق تجليها هي صهر جميع الناس في بوتقة أمريكا تحت دعاوى العودة الى الإنسان الطبيعي الذي هو الإنسان المفرغ من المعنى والهوية كما الإنسان الأمريكي تماما الذي تمثل الهوية عقدته وإشكاله الأزلي فهو لا يعرف نفسه ولا تجد عنده سؤال الإنتماء حاضرا لأن الجذر المؤسس لأمريكا مجموعة من اللصوص والافاقين سطو على أرض وقتلو أهلها لا يعرفون من هم ولما هم .
العولمة حرب على الهويات في المقام الأول وليست إنطلاق نحو الإنسانية الواحدة لأن الإنسانية الواحدة هي بسط الإحترام للإنسان مهما تنوع واختلف الإنسان في كل تبديات وتشكلات التاريخ فطرة التنوع التي أوجد الله الكون عليها إبداعا على التباين التعدد الذي يفرده سبحانه وتعالى بالوحدة
فالإنسانية العالمية لا تقوم على كبت الخصوصية وإنما بإحترامها هذا إن كان المراد من العولمة السعي الى الإنسانية الواحدة كما تدعي زورا الدعاية الأمريكية وعملائها
ختاما
الإستقلال الثقافي يكون في صيانة الذات هوية تاريخية يشكلها الدين واللغة وما اجتمع وتعارف عليه الناس
والإستقلال الثقافي لا يعني الإنغلاق والإنكفاء وإنما التفاعل الحضاري الحر من موقع الندية الحضارية بإستيعاب فضائل ومكارم الأخرى وإعادة إنتاجها بما يتوافق مع مطلقات هويتنا
فالحكمة ضالة المؤمن
المصدر : الصدى الورقية الصادرة هذا الاسبوع