الإعلام العِبْري.. و”دولة الدّم” / بقلم :خالد عمر بن ققه
الحرب الدائرة في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، مكَّنتْنا من متابعة الإعلام العِبْرِي سواء من خلال استضافة محللين إسرائيليين في القنوات العربية، أو متابعة الآراء والتعليقات والتحليلات التي تبثها القنوات والمواقع الإسرائيلية، وأحسب أننا في هذه الحرب قد انتقلنا من الرفض المطلق للعدو، إلى الاستماع له، دون أن يخل ذلك بالمواقف الثابتة منه.
الحال تلك، قد تعدّ تطوراً ملحوظاً اًعلى مستوى تشكيل الرأي العام العربي بحقيقة إسرائيل وأهدافها ومستقبل السلام معها، وبالتالي توجهه نحو معرفة طبيعة الصراع الدائر، وقد نكون ـ عربيّاً ـ في وضع أفضل من إسرائيل التي لا تزال مغلقة عن نفسها لجهة التعامل الإعلامي مع العرب، حيث يقوم اختيارها للضيوف العرب، على قاعدة” الأقرب إليها في التوجه”.
متابعة الإعلام الإسرائيلي، خاصة القنوات الفضائية والصحف، تكشف لنا عن تصور إسرائيل الحالي والمستقبلي لصراعها مع الفلسطينيِّين ومع دول الجوار، خاصة لبنان وسوريا، من حيث إدارتها له عبر حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، أي أن َّالحل لديها يكون من خلال تطويع الأعداء بقتلهم، الأمر الذي دفع ببعض الكتاب الإسرائيليين إلى تسميتها بـ” دولة الّدم”، انطلاقاً من مواقف بعض قادتها المتطرفين، وحفاظا على انتمائهم الحزبي، ومصالحهم الخاصَّة، كما ظاهر لدى رئيس الوزراء بن يامين نتنياهو سواء في الفعل أو ردّ الفعل.
وعلى صعيد الوصف، فقد تبيّن لنا أن الإعلام الإسرائيلي يتمتع بحرية عالية في النقد، لكنه لا يخلو من تشنج وميل وشفونية يصطف عبرها كثير من الكتاب والمحللين إلى جانب المواقف الخاطئة لصُنَّاع القرار، ومع هذا تطرح جملة من التساؤلات منبعها ليس الخوف فقط، ولكن أيضا الحرص على بقاء إسرائيل ديمقراطية، وامتداداً للغرب في المنطقة، ولكن يبدو أن هذا لن يتحقق لسببين:
أولهما: أن زمن الحرب ـ كما في كل الدول التي خاضت حروباً خارجية أو متعلقة بوجودها ـ لا تقبل التعايش مع الممارسة الديمقراطية، لأن” العسكرة” تشمل كل المجالات بما فيها الإعلام.
وثانيها: أظهرت إسرائيل في هذه الحرب أنها جزء من العالم الثالث، وأنها بنت الجغرافيا، وهي ليست ـ ولن تكون ـ كما يصورّها الغرب أنموذجاً يقتدى به في الفضاء العربي.
أسئلة كثيرة يطرحُها الإعلام الإسرائيلي، علينا الوقوف أمامها لأنها تتعلق بمستقبل فلسطين ومصير المنطقة كلها، منها: متى ستضع هذه الحرب أوزراها؟، وهل الوصول إلى التفاوض والسلام يقتضي فتح عدة جبهات للحرب في وقت واحد؟، وماذا عن تغير الجبهة الداخلية وغياب الدولة الآمنة؟، وكيف ستخرج إسرائيل من حرب استنزاف طويلة المدى؟
الأسئلة السابقة وغيرها تحمل مخاوف مشروعة، نابعة من مواقف القيادة السياسية الإسرائيلية التي تصر على أن الحل في إبادة الفلسطينيين، للتقليل من عددهم أوّلاً، وللضغط على فصائل المقاومة ثانياً، وكذلك في القضاء على قوى الدعم والمساندة، خاصة على الجبهة اللبنانية، ما يعني عدم إقرار إسرائيل بالهزيمة، وهذا الموقف صعّب من مهمتها العسكرية.
مهما يكن، فإن الإعلام الإسرائيلي يتابع بشكل منتظم مجريات الحرب الدائرة، ويدرك أن قيادته السياسية، وحتى العسكرية، في أزمة، ومع ذلك يقود حرباً مساندة وموازية للعمل العسكري، غير أنه أحيانا يخطئ في التحليل نتيجة المعلومات المزورة الصادرة من مؤسسات الدولة الرسمية، وخاصة مكتب نتنياهو، كما يذهب بعيداً في الشطط من صحافيين وكتاب ولاءاتهم للأحزاب المتطرفة وللقيادة، أكثر منه للدولة.
من ناحية أخرى، يُسْهم الإعلام الإسرائيلي في دفاعه المستميت عن أخطاء قادته السياسيين في صناعة” دولة الدم” التي تحدث عنها كتاب إسرائيليّون ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أبدوا قلقهم من المصير الذي ستؤول إليه دولتهم، في الغد القريب، وحتى في المستقبل البعيد.