الإمارات وضبط النفس / د. عبدالله محمد الشيبة
ما زالت دولة الإمارات العربية المتحدة تضرب أروع الأمثلة في ضبط النفس، حتى في ظل تداعيات السلوك الأخير الذي قامت به قطر عندما اعترضت مقاتلتان حربيتان قطريتان طائرتين مدنيتين أثناء رحلتهما الاعتيادية لمملكة البحرين. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يكون لقيادة الإمارات رد الفعل الهادئ الحكيم إزاء سلسلة المواقف العدائية التي لا يزال نظام الحكم في الدوحة يقوم بها عوضاً عن انتهاج سلوك عقلاني يستهدف تهدئة التوتر في العلاقات بينه وبين الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، والتي تضم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية. وبالتالي فإن الأمر الجلي هو أن الدوحة قد قررت الاستمرار في استفزازها وعدائها للدول الأربع، مما ينذر بعواقب وخيمة قد تؤدي لسنوات طويلة من المقاطعة.
وقد سبق قيام المقاتلات القطرية باعتراض الطائرتين المدنيتين التابعتين للإمارات انتهاج الدوحة للعديد من المواقف العدائية السافرة لدول الجوار. ومن أبرز تلك المواقف الهجوم الإعلامي اليومي على قيادات وحكومات الدول الداعية لمكافحة الإرهاب وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة ورموزها. وتنتشر في «الشبكة الإعلامية» التابعة للدوحة ومنها قنوات «الجزيرة» برامج وأخبار يومية تهدف إلى تأجيج التوتر، بل يصل البعض منها إلى حد التشهير بمسؤولين حكوميين في دولة الإمارات، ثم جاءت الانتهاكات القطرية الخطيرة مؤخراً عندما قامت المقاتلات القطرية من نوع الميراج والتي انطلقت من قاعدة «العديد» باعتراض طائرتين إماراتيتين، في طريقهما إلى المنامة خلال رحلتهما الاعتيادية. وهو انتهاك تم توثيقه بالإحداثيات، حيث كانت المقاتلات القطرية في وضع دفاع جوي مسلح، ثم قامت باعتراض الطائرتين في رحلتين اعتياديتين، ومجدولتين ومعروفتي المسار، ومستوفيتين للموافقات والتصاريح اللازمة المتعارف عليها دولياً. ومما لا شك فيه أن هذا السلوك يمثل تهديداً لسلامة الطيران المدني، وخرقاً واضحاً للقوانين والاتفاقيات الدولية التي لا تعيرها الدوحة أي اهتمام. ويتضح أيضاً من خلال اعتراض المقاتلات القطرية للطائرتين المدنيتين عدم اكتراث الدوحة لسلامة وأمن الركاب الذين ينتمون لدول مختلفة لا ذنب لها في الأزمة بين قطر والدول الداعية لمكافحة الإرهاب.
وعلى الجانب الآخر نجد كلاً من الرياض وأبوظبي والمنامة لا يقابلون السياسة العدائية للدوحة بسياسة مماثلة، بل لا نجد في تلك الدول الثلاث بثاً يومياً إعلامياً متواصلاً هدفه التشهير بنظام الحكم في الدوحة، حيث مضت الدول الثلاث قدماً للأمام غير عابئة بما تقوم به الآلة الإعلامية القطرية الضخمة من بث للفتن والدسائس والأكاذيب. أضف إلى ذلك موافقة الدول الثلاث على حضور قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الـ38، والتي استضافتها دولة الكويت الشقيقة في شهر ديسمبر من العام الماضي. وقد أيدت الدول الثلاث جميع مقررات تلك القمة التي تؤكد على صلابة الكيان الخليجي ودعمه للصمود أمام التحديات من خلال التمسك بآلية عقد هذه الاجتماعات، وتعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك بما يحقق آمال وتطلعات شعوب دول المجلس، ولم يصدر عن الدول الثلاث أي سلوك يضر بمسار واجتماعات القمة. ثم قامت الدول الثلاث نفسها بالاستجابة لدعوة دولة الكويت للمشاركة في بطولة كأس الخليج العربي الـ 23 على الرغم من مشاركة قطر فيها، مما يؤكد انتهاج الرياض وأبوظبي والمنامة للسلوك الحضاري المتميز الذي يهدف دائماً لتخفيف التوتر وليس التصعيد.
وبالتالي تؤكد كافة المؤشرات والأحداث الصادرة عن قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة مدى قوة ضبط النفس في مواجهة السلوك الاستفزازي والعدائي من جانب قطر، وذلك لرغبة الإمارات في تجنب الفوضى السياسية التي تعمل الدوحة على إثارتها، مما يثبت مدى حكمة ورزانة القيادة السياسية للإمارات، والتي ساهمت بشكل كبير في عدم تصعيد الأزمة لمستويات تنذر بعواقب وخيمة على المنطقة، وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي.