البحث العلمي في مأزق الإهمال/ الولي سيدي هيبه
و مرة أخرى تخرج “جائزة شنقيط” بنتائجها المعلنة في حفل رسمي كبير احتضنه قصر المؤتمرات بأقل مرجو من الأعمال العلمية التي تحمل سمات الإسهام في إخراج البلد المنشود من بياته الثقافي و العلمي الأليم على الرغم من المجهود الكبير الذي اضطلع به المسؤولون عن الجائزة و ما رافقه من اعتكاف أعضاء لجان القراءة و التقدير للأعمال المتقدمة لنيل الجائزة النقدية و التقديرية؛ مجهود معتبر اعتمد على المستويات العلمية العالية و التجربة المشهودة لهؤلاء القيمين و المشرفين، و أيضا على طول باعهم في مجالات تقصي البحوث العلمية و المتابعة قراءة و تمحيصا و توجيها و تقنينا للأعمال الجامعية و الصادرة عن المعاهد العليا من أطروحات و بحوث و تقارير علمية نتيجة الجهود المضنية للطلاب و الباحثين، و النظر و إبداء الرأي العلمي فيها.
و تكمن المسألة التي باتت إشكالا حقيقيا رغم التغافل عنه يجب الالتفات إليه، بعيدا عن الإرادة التي لا بد أنها صادقة و وطنية التي ترمي إلى الرفع من مستوى البحث العلمي و التأليف المنهجي المتخصص و الإبداع الأدبي بكل أوجهه و الاجتهاد الفقهي في العلوم الإسلامية بما يتوافق و الملة و تنوير ثقاتها عبر العصور، تكمن إذا المسألة في أن الاهتمام بالبحث ما زال دون المطلوب و أن مجالات البحث تعاني من:
- الضمور الشديد الحاصل على خلفية غياب الاهتمام بها و ضعف وسائلها ومناهجها و حقولها،
- و ضعف الهمة العلمية نتيجة حتمية،
- و بعد أهل البلد عن شجون التنمية و متطلباتها من الجهد الفكري و الإنمائي الميداني،
- و انعدام روح التنافس لصالح التميز و الحضور على خشبة مسرح الحداثة،
- و غياب الجدية المسجونة بين جدران عقلية الكسل الذهني و البدني،
- و التشبث مرضيا في غفلة من واقع الانحدار الشديد إلى سحيق التخلف “المفني” بالادعائية المفرطة بالنبوغ و السبق في المعارف و الآداب و العلوم و الفروسية.
كما تكمن المسألة أيضا بوجهها الآخر في الافتعال عن سبق إصرار و ترصد لغياب التعاطي مع البحوث العلمية، و تطبيقات نتائجها عملا و تجسيدا ميدانيا في معترك البناء و التشييد للوصول إلى نتائج ذاتية مميزة، اعتمادا كسولا و مبيتا على عمل و نتيجة و عصارة جهد الآخرين من حول أهل البلد بوصفهم مستهلكين أقرب في ذلك إلى الطفيلية و رسم الكسل و الراحة استحسانا و تبنيا منهج حياة.
صحيح أنه لكل عمل و مجهود يقوم به أي باحث صدى إيجابيا في المجال الذي أنجز ضمنه البحث و يعتبر إضافة لا مراء فيها. و لكن غير صحيح بالمقابل أن كل بحث أو عمل لم يقدر له أن يكون على المستوى الذي تحدده و تستوعبه الجوائز التحفيزية و المكافئة الكبرى أو ذات الطابع الوطني، و لا يستجيب لاشتراطاتها و محددات “مبتغاها”، أنه يُمكن في حالة غياب هذا المستوى أن يقدم مكافأة لمنتقين في غياب التنافس لتمر المناسبة بإعلان الجوائز.
و تُرجأ الجوائزُ إلى آجال غير مسماة ـ من غير عقد أو خجل في العالم الذي أدرك ضرورة الإبداع و الابتكار و الاكتشاف و الاستحداث ـ التي ترصد للبحث العلمي ـ إن لم يتوفر المترشحون لها بالمستوى المطلوب لفائدة العلم و البحث و التطور و التقدم و الوعي حتى تفرز العقول المتوهجة ما يبرر إعطاءها و الإعلان لمسار التقدم عن نتائجها، و لا ضير في ذلك إذ المستهدف هو تطور البلد بأدمغة أبنائه و العلم بنتائج هذه البحوث الثورية، لا أشخاصا و دوائر معلومة اللون و الاتجاه!