الأخبارمقالات و تحليلات

«الجيش العربي السُّوري».. وتَعْريب الحرب / خالد عمر بن ققه

خالد عمر بن ققه / كاتب وصحفي جزائري

تطوّرات الأحداث الجارية في سوريا ــ لصراع محلي ودولي على مدار أكثر من 13 عامًا ــ يكشف عن حرب أمميّة بين أطراف عدّة لها مصالح متضاربة ومتناقضة، كان الهدف منها في البداية إسقاط نظام حزب البعث بقيادة الرئيس بشار الأسد، وتحويل الدولة السوريّة إلى أقليّات عرقية ومذهبية ومناطقية متقاتلة، وقد نجحت في نقص سوريا من أطرافها لصالح ثلاثة أطراف رئيسة:

أولها: القوات الإرهابية المدعومة من الغرب، والتي تعود اليوم بدعم دولي وتركي على الخصوص.

وثانيها: إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، لقطع الطريق على حزب الله وعلى الوجود الإيراني، ولتسليم سوريا أن الجولان أصبح جزءًا من أرض فلسطين المحتلة (أي من إسرائيل).

 

وثالثها: تركيا حيث أسهمت في تكوين جيش من المعارضة السورية موازٍ ومعاد ٍللجيش العربي السوري، وقد رافقته في أعماله الإجرامية، الجماعات الدينية المتطرفة التي غزت سوريا بتسيير وتسهيل ودعم من تركيا.

 

غير أن تلك الأطراف جميعها لم تفلح في إسقاط الدولة السوريَّة، ولا تمكنت من نزع شرعيتها، وذلك لسببين، أولهما: دعم روسيا وإيران العسكري لنظام الحكم هناك بطلب من الرئيس بشار الأسد حماية لدولته ونظامه وسلطته، وبذلك ظلت الدولة السورية صامدة، لدرجة أن القوى الغربية؛ ولا حتى بعض الدول العربية التي كانت معادية للنظام السوري، لم تتمكن من تدويل الأوضاع هناك، أو وضع سوريا تحت«البند السابع»، نظرا لاستعمال الصين وروسيا للفيتو أكثر من مرة.

 

السبب الثاني: هو وطنية وصمود وصبر«الجيش العربي السوري»، حيث دافع ولا يزال ـ بتضحيات جسيمة ـ على بقاء الدولة، وعن قيادتها التي تحكم من خلال الشرعية الدستورية، كما عمل على الحيلولة دون تنفيذ المخطط الغربي لتقسيم دول عربية أخرى، وإدخالها في فتن وحروب أهلية، وهو في ذلك سار على نفس الطريق الذي سار فيه عدد من الجيوش العربية الأخرى التي حمت دولتها في الأزمات الكبرى، مثل: الجيش الجزائري في العشرية الدموية، والجيش المصري بعد سقوط نظام الرئيس محمد حسني مبارك، والجيش التونسي بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن على البلاد بعد الانتفاضة الشعبية هناك، والجيش السوداني في الوقت الرّاهن، كما هو في صراعه حول الشرعية مع قوات الدَّعم السريع.

 

وبصمود الجيش السوري، رغم تكالب الأمم عليه وعلى دولته، فشل مشروع إسقاط الدولة السورية وتفتيتها، وبهذا بدا واضحًا أنه الرقم الأصعب في المعادلة، خاصة أنه تمتع بولاء للشرعية، ولم يخترق ـ لحد الآن ـ ولم يقبل بأي مساومات على عكس السياسيين من الأطياف المختلفة.

 

لذلك كله، لم يعد اليوم الهدف هو إبعاد الرئيس الأسد فقط، وإنما أضيف له عنصر آخر، وهو القضاء على الجيش السوري، بل وحلّه على غرار ما حصل للجيش العراقي بعد الاحتلال الأمريكي الظالم والهمجي في العام 2003م، الأمر الذي جعل الدولة العراقية تنهار، ولا تزال إلى الآن غير قادرة على تشكيل جيش قوي.

 

الحال في سوريا اليوم لم تعد مجرد هجوم مسلح من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) وداعش وغيرهما من عناصر الجيش السوري والميليشيات الإرهابية المختلفة، هدفه إسقاط النظام والاستيلاء على الحكم بالقوة فقط، وإنما هزيمة الجيش العربي السوري وحلّه، واستبدال جيش آخر به، كما هو واضح في اسم وشعارات الجيش المقاتل المشكل من الإرهابيين والثوار، والمعارضة المسلحة وكذلك المدنية لا تخفيان ذلك، بغض النظر عن الفوضى، والفتنة التي ستعمُّ سوريا.

 

الميليشيات المسلّحة التي تحارب النظام في سوريا اليوم ـ بغض النظر عن الأسباب والمبررات ـ هي اليوم، وغدا ـ إن انتصرت ـ تخدم من يُموِّلُها، مثل: إسرائيل والولايات الأمريكية المتحدة، وتركيا، وحتى حلف الناتو، مثلما تخدم الميليشيات التابعة لإيران مصالح هذه الأخيرة في سوريا، ويخدم الجيش الروسي مصالح بلاده هناك، وهذان الطرفان ـ إيران وروسيا ـ يهمها بقاء الرئيس بشار الأسد، حتى لو قسمت سوريا، وحُلَّ الجيش العربي السوري، والأغلب أن الأسد لا يتفق معهما في ذلك، ولكن ما العمل لحماية دولته، وجيشه؟

 

تشير بعض المصادر إلى أنه في الوقت الذي تبدي فيه إيران استعدادها لإرسال مقاتلين لدعم النظام في سوريا ومواجهة الجماعات الإرهابية ـ ومن المرجح أن يصل عددهم إلى عشرين ألف مقاتل ـ وأن إسرائيل وأمريكا تعملان من أجل الحيلولة دون ذلك، فإن هناك دولا عربية تلتقي مع ذلك الموقف الرافض لوجود قوات إيرانية في سوريا وتمددها، لكن الأهداف التي يراد الوصول إليها مختلفة بين الأمريكان والإسرائيليين من جهة وبين العرب من جهة أخرى، خاصة ما يتعلق بالجيش العربي السوري، حيث تسعى دول عربية بعينها ـ قد تحلّ قواتها في الأراضي السورية قريبا ـ على المحافظة على الجيش النظامي السوري في سياق قناعتها بدور الجيوش النظامية، وهو ما يشاركها فيه الرئيس بشار الأسد، مع محاولته التوفيق بين وجود حليفته إيران والدور العربي العسكري في الميدان، ومهما تكن الصيغة التي سيصل إليها، فإننا سنشهد الأيام المقبلة بداية «تعريب الحرب في سوريا».

المصدر : الكابت +المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى