الأخبارمقالات و تحليلات

السنوار ضحية القراءة الخاطئة محمد الرميحي

الدكتور محمد الرميحي: إعلامي كويتي

منذ أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي وأنا أعود إلى الحدث وتداعياته، ناقداً ولم أكن كارهاً، محاولاً تشخيص ما يجري من أحداث. القضية الفلسطينية قضية عادلة ومعاضدتها موقف إنساني، قبل أي أمر آخر. ومع خبر اغتيال يحيى السنوار شعرت بغصة، فها هي تجربة أخرى تكاد تذهب سدى، بعدما قبض أهل غزة على الجمر وهو مشتعل. كان الرجل ضحية كمثل قضيته، وسبب ذلك هو الخطأ الفادح في التقدير. غزة لا منافذ لها ولا جبال ومحاصرة فمن أين يأتي المدد!!

كان قرار السنوار والمجموعة الصغيرة، التي اتخذت قرار “7 أكتوبر” 2023، مبنياً على عدد من العوامل، منها: التحالفات التي كان يمكن أن تناصره، أي ما يسمى “محور المقاومة” ولكنها لم تفعل بالمقدار الذي كان يتوقعه، كما أن الرهان الثاني هو أن خطف عدد من الأسرى سوف يجبر إسرائيل، كما حدث في تجارب سابقة، على التفاوض ولم يحدث ذلك.

هناك الكثير من السيناريوهات حول أحداث ذلك التاريخ، سوف تتكشف في المستقبل، على رأسها التخطيط الإقليمي، الذي لم يكن يقصد تحرير -أو حتى بدء تحرير- أي جزء من فلسطين، بقدر ما كان يرغب في تنفيذ أجندته، وهي إثارة واستمرار صراع واسع قد يمكنه من الإفلات أو المساومة.

أما العامل المهم في ما نرى، هو أن السنوار كان ضحية رفاقه، فمن المتعارف عليه في أدبيات الحروب أن من يقع أسيراً عند العدو ويحرر، يكرم بما يستحق، ولكن لا يسلم مسؤولية في قيادة الصراع، حيث تراكمات الأسر قاسية على النفس البشرية، وتنتج شخصية ثأرية أكثر مما تنتج شخصية تحسب حساب الربح والخسارة للمجموع. تلك الشخصية الثأرية تكون متصلبة في مطالبها ومضخمة لقدراتها ومستهينة بقدرات العدو الذي أذاقها العنت على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الوطني.

ربما هذا التحليل ينطبق على شخصية السيد علي خامنئي، والذي ذاق ذل السجن والحرمان في سجون الشاه (المؤيَّد في رأيه من الأميركيين) إلى درجة إنتاج شخصية أقامت سجوناً أفظع من سجون الشاه لمخالفيها، كما قال لي أحد الإيرانيين الذي مر بالتجربتين.
ربما الوحيد في التاريخ الحديث الذي نجا من الشعور بالثأر هو نلسون مانديلا، رغم أن بعض رفاقه ساروا بغير تصوره، إلا أن تلك التجربة كانت شبه أحادية.

من الطبيعي التعاطف مع حركة التحرير الفلسطينية، ومن الواجب نقد قصورها، فالافتراضان اللذان بنت “حماس” عليهما عملها في 7 تشرين الأول لم يتحققا، والسبب أن ضخامة “7 أكتوبر” كانت فرصة لليمين الإسرائيلي لتضخيم الحدث؛ خلق جواً من التهويل حول “الهولوكوست الثاني” واستثمر الحدث في الداخل لرص الصفوف، وفي الخارج لجلب التأييد والتعاطف والمال والسلاح، هنا توسع الانتقام الإسرائيلي إلى حد البشاعة أمام أنظار العالم، وارتكب من المجازر والحصار ما لم يسبق حدوثه في أشرش الصراعات، مع تأييد ظاهر أو خفي للقوة الوازنة في العالم، ومع كل الوساطات كانت الشروط الإسرائيلية ترتفع، والحيرة “الحماسية” تزداد اضطراباً، وتبين أن الرهانات لم تكن مبنية على تقدير موضوعي للموقف الصراعي، وبني بعضها على أوهام وتصورات مقبلة إما من عدم قراءة حقيقية لأجندة الآخرين، أو أفكار تراثية لا صلة لها بالواقع.

ربما وجد السنوار أن ما قدمه أهل غزة يفوق طاقة البشر، وأن المطلوب رأسه، فقرر المواجهة مع نفر قليل وهو يعرف أنه مستشهد، لعل ذلك يزيح عن القابضين على الجمر بعض أهوالهم.

لعله بعد فترة الصخب العاطفي تتبين القيادة “الحماسية” أن كل حساباتها خاطئة، وأمامها طريقان، إما استمرار المكابرة، وبالتالي فناء أهل غزة، وهو مطلب من اليمين الإسرائيلي حيث تكون غزة “أرضاً بلا شعب” في تكرار منكر لعام 48 وما قبله، أو العمل على تقليص الخسائر ودفع ثمن عسير قد يكون إطلاق ما تبقى من الأسرى.

عقيدة الإسلام الحركي كما شهدنا في أكثر من مكان، مثل تونس والسودان ولبنان، لا تقرأ الواقع ومتصلبة، والخوف كل الخوف، أن قيادة “حماس” لن تستطيع أن تتخذ إجراء لتقليل الخسائر، مثلها مثل “حزب الله”. وفي ضوء احتمال صعود اليمين المتشدد إلى البيت الأبيض، ستكون الخسائر فادحة.
تلك قراءة قد لا يوافق عليها البعض، ولكنها تعرض لتناقش.

المصدر: النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى