الشّرق الأوْسط الجديد.. كما يراهُ نبيل فهمي / خالد عمر بن ققه
البحث في الشرق الأوسط، وقضاياه، لا ينتهي، لأنه يصنع الحدث على المستوى العالمي سلباً وإيجاباً، حرباً وسلماً، أزمات وحلولاً، مع أنه يضمُّ أمماً وشعوباً تحكمها التقسيمات الجغرافية للعالم، التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبموجبها اختفت انتماءات بعينها على مستوى الخطاب، وأحياناً في السياسات والقرارات والمواقف، كما هو الأمر بالنسبة للحال العربية، حيث تراجع التوصيف للمنطقة من العالم العربي، وقبله الوطن العربي، إلى “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
بداية ظهور مصطلح “الشرق الأوسط” تعود إلى يناير 1957م حين استخدمته بشكل رسمي لأول مرة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ضمن “مبدأ إيزنهاور” المتعلق بأزمة السويس 1956م، حيث كان الهدف منه حلولها لملء الفراغ الاستعماري بدلاً من إنجلترا وفرنسا.
وقد حلت الولايات المتحدة بالفعل من منطلق محاربتها للشيوعية بقيادة الاتحاد السوفياتي في مرحلة الحرب الباردة، ولتحديد منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من تلك الفترة التاريخية، نعود هنا إلى تعريف وزير الخارجية الأمريكي “جون فوستر دالاس” للشرق الأوسط، من أنه: “المنطقة الممتدة بين وضمن ليبيا في الغرب وباكستان في الشرق، وسوريا والعراق في الشمال، وشبه الجزيرة العربية في الجنوب، إضافة إلى السودان وإثيوبيا”، وإن كان قد تم تعديل هذا التعريف في وقت لاحق.
وبغض النظر عن الخلفيات لنشوء الشرق الأوسط، فإنه اليوم يشكِّل حضوراً على الساحة الدولية رغم المحاولات المتواصلة لاحتوائه، ودفعه نحو مزيد من الفوضى في ظل تحولات كبرى يشهدها العالم من جهة، وتوترات على مستوى الجبهة الداخلية لمعظم دوله من جهة ثانية، لذا يشكل اهتماماً بحثياً يضاهي التركيز السياسي عليه، إن لم يكن أكبر منه وأشمل.
في هذا السياق، يمكن الحديث عن كتاب “قيد التشكل.. الشرق الأوسط بين تحولات النظام الدولي والتفاعلات الإقليمية” تأليف نبيل فهمي (وزير الخارجية المصري السابق)، وقد صدر عن “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” بـأبوظبي.
تضمَّن الكتاب خمسة فصول، ركز الأول على الصراع بين القوى الكبرى على إعادة تشكيل النظام الدولي، والذي يبدو على أشده بين تمسك أمريكي بالهيمنة للإبقاء على نظام دولي أحادي القطبية، وبين دفع روسي ـ صيني نحو تشكيل نظام متعدد الأقطاب، معتبرا الحرب الروسية ـ الأوكرانية أحد أشكل هذا الصراع، وأن نتائجها هي التي ستحدد شكل النظام الدولي.
وتناول الفصل الثاني مظاهر التنافس الدولي حول منطقة الشرق الأوسط، من حيث تحولات الدور الأمريكي وتصاعد أدوار روسيا والصين بالمنطقة، وتفاعل دول الشرق الأوسط مع هذا التنافس.
وذهب الفصل الثالث إلى استكشاف التحالفات في خريطة التفاعلات بين دول منطقة الشرق الأوسط، حيث الاتجاه نحو شرق أوسط جديد، وتحديد موقع العرب فيه، من خلال دولهم ومؤسساتهم الجامعية، ومنها جامعة الدول العربية.
وحلّل الفصل الرابع مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتأثيراتها في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً باستعراض محاولات إيجاد حل للقضية الفلسطينية وصولا إلى تفجر الصراع عقب طوفان القدس في 7 أكتوبر 2023م.
وطرح الفصل الخامس، رؤية الكاتب لنظام دولي جديد أكثر عدالة وديمقراطية، يضمن حقوقا متساوية لكافة الدول بما يحقق الصالح العام الجماعي، واقترح خطوات لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، كما قدّم المؤلف توصيات لصانع القرار العربي تخصُّ كيفية تعزيز دور الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط لتأمين مصالحها.
في هذا الكتاب ينطلق نبيل فهمي من رؤية تستند إلى معطيات الواقع الدولي وشواهده ومساراته، ومنها ينتهي إلى القول: “أعتبر أن النظام الدولي يمر بعاصفة مكتملة وعاتية، وأن الشرق الأوسط يعاد تشكيله، ويشكل ليس في صالح الغالبيّة العظمى، وهي الدول العربية، وهذه التطورات مستمرة وممتدة ولم تتضح بعد معالمها الجديدة، وإن كان ليس من المبالغة القول إننا الآن على حافة الهاوية في الحالتين، بين الإفاقة الدوليَّة الصَّعبة والعاصفة بًغْيَة العودة إلى الرشد والحكمة..”.
والسؤال هنا: كيف يتم ذلك؟ تأتي الإجابة مختصرة في قول نبيل فهمي: “بتبنّي مفاهيم تعاونية لنظام دولي جديد يجمع الكل، وينبني على توازن واقعي في المصالح، وأوضاع إقليمية شرق أوسطية بالغة الحساسية والخطورة، تحتم تبني سياسات توافقية مع الحسم في ترجيح قوة القانون على قانون القوة والحق على الباطل”.. لكن هل هذا ممكن؟، ومتى؟