الأخبارتحقيقات

” الطائرات المسيّرة”.. سباق عسْكري عالمي

كتب : خالد عمر بن ققه

تنتابُ المجتمع الدولي مخاوف حقيقية ومشروعة من استعمال “الطائرات المسيرة” على النحو الذي نشهده اليوم في الحروب الدائرة في كل من أوكرانيا، وغزة، وجنوب لبنان، ليس فقط لكونها سلاحاً فعَّالاً متعدد المهام، وإنما لأن تكلفتها غير العالية سمحت للتنظيمات غير الشرعية والميليشيات بامتلاكها واستعمالها على نطاق واسع، ومن خلالها وجهت ضربات مُوجعة لعدوها. وقد تتسع الدائرة في المستقبل المنظور لتتحول إلى إنتاج فردي، يخص أفراداً بعينهم، لا يخضعون لقواعد الحرب، وقد لا يطالهم القانون.

الطائرات المسيرة، بَدَتْ اليوم أداة فاعلة في المجال العسكري

تلك المخاوف في حقيقتها جاءت متأخِّرة، ذلك لأن إنتاج الطائرات المسيرة كان هدفاً راهنت عليه بعض الجيوش النظامية، وقد تحقق ذلك منذ العام 1917، أي حين ظهرت أول طائرة دون طيار في إنجلترا، ثم طُورت عام 1924، وإن كانت مراجع عسكرية تذهب إلى أنها ظهرت منذ الحرب العالمية الأولى (1914-1917)، حيث استخدمتها جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والمملكة المتحدة، ثم لحق بها الاتحاد السوفييتي في ثلاثينيات القرن الماضي.
هي إذاً بنتُ الحرب، وإن كان السلام، أو بالأحرى الاستعمال المدني قد ورثها بعد ذلك، وخلال تاريخ طويل يفوق مئة عام من ظهور أول طائرة إلى اليوم زادت التكلفة البشرية للحروب، وإن تراجعت التكلفة المادية لصناعة الطائرات المسيّرة.
من ناحية أخرى، فقد كانت حاضرة في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وفي الحرب الكوريّة (1950-1953)، خاصة من الولايات المتحدة، وقد استعملتها بشكل خاص في الأغراض التدريبية، كما استخدمت كصواريخ موجهة في تلك الحرب، وفي التصدي للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين، كما برز دورها في المجال الاستخباري بعد حرب فيتنام (1955-1975).
كل ذلك يعني أن الطائرات المسيرة قد وُظِّفت على نطاق واسع من الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ سابق بستَّة عقود مقارنة بالدول الأخرى، لأنها صارت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية القوة الأكبر، والقائدة للعالم، ثم دعمت بها حليفتها إسرائيل، حيث برز الدور القتالي الفاعل والمؤثر لتلك الطائرات، حينما استخدمها الجيش الإسرائيلي مرتين على فترات متباعدة، الأولى: في حرب أكتوبر 1973، حيث تمكّن من خلالها إسقاط 28 طائرة حربية سورية، والثانية: في حرب لبنان عام 1982، حيث تمكن من تحييد الصواريخ السورية (أرض- جو) في سهل البقاع اللبناني.
وعلى صعيدي الفعل ورد الفعل المضاد، فإن الطائرات المسيرة، بَدَتْ اليوم أداة فاعلة في المجال العسكري، حيث وفرت ميزات قتالية تتعلق بالحصول السهل والسريع على المعلومات بواسطة ما تحمله من معدات، وأحدث استخدامها فروقاً جوهرية، استراتيجية وتكتيكية، ناهيك عن تمكن الجيوش النظامية والميليشيات من الرصد والتعقب على الأرض، وقد حدث ذلك في عدد من الحروب التي اشتعلت في عدد من الدول العربية مثل: العراق وليبيا وسوريا، ودول إسلامية من مثل: أفغانستان، وإيران، وكردستان العراق، وأيضاً في عدد من الدول الأفريقية، خاصة دول السَّاحل والصحراء.
لذلك كلِّه، فإن هناك سعياً حثيثاً على المستوى العالمي لتصنيع الطائرات المسيّرة، وتشير المصادر إلى أن عدد الدول التي تستخدم هذه الطائرات، أو التي تعمل على تطويرها، قد بلغ أكثر من أربعين دولة، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، وإيران، وتركيا، وغيرها.
أما بالنسبة لصناعة الطائرات المسيرة في الدول العربية فهي لا تزال محدودة، وتخص أربع دول هي: الإمارات، التي شرعت في ذلك منذ عام 2008 حيث أنتجت طائرات “يبهون يونايتد 40″، و”يبهون سمارت آي 1″، و”يبهون آر 2″، و”يبهون آر”، و”يبهون آر إكس”، والجزائر التي أنتجت الطائرة المسيرة ” أمل1- 400″ عام 2013، وأمل 2 ـ 700 عام 2016م، في حين صنعت السعودية الطائرة دون طيار “لونا” عام 2015م، وهي نسخة مقلَّدة لطائرة ألمانية تحمل الاسم ذاته، وفي مصر أعلنت الهيئة العربية للتصنيع عام 2016 إنتاج طائرة دون طيار يمكنها تنفيذ أدوار مختلفة، مثل الاستطلاع، وتحديد الأهداف، وتصحيح نيران المدفعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى