المهندس أحمد ولد أعمر يكتب : الي العقول الناضجة !
كانت الأصنام رموزًا حسية مصنوعة من الحجر أو الخشب، تُعبد كقوى عليا في عصر الجاهلية فبعث الله رسول العالمين وسيد الثقلين محمد صلى الله عليه وسلم ..في ذلك السياق الوثني وكانت دعوة الحق الإلهي سببا في اجتثاث تلك العقلية حتي طهرت بلاد الإسلام من الوثنية وعبادة الأصنام ، في مفهومها الحسي الذي كان يتمثل في طقوس ومعتقدات يمارسها المجتمع أنذاك
ودخل جميع من كأنوا عبدة للأصنام وحماة عقيدة الوثنية واصبحو من صحابة رسول الله وسفراء الفتوحات الإسلامية في جميع أنحاء العالم
وجاءت خطبت الوداع التي أوضحت كلماتها مدي استكمال الرسالة المحمدية ونجاحها في تغيير العقليات الجاهلية الي عقول ناضجة وكفيلة بحمل المفاهيم العقلية لهذه الدين الحنيف!
حيث كانت عبادة الأصنام مرتبطة بأشكال مادية حسية ملموسة ومرئية لأصنام وأوثان ،
مما جعل الكثير من الفقهاء يري أن نحت التماثيل البشرية وإقامتها في الأماكن العامة محرم، استنادًا إلى نصوص تمنع صنع التماثيل ذات الأشكال المجسمة ، فان هذا الحكم ينبع من ارتباط التماثيل تاريخيًا بعبادة الأصنام، خاصة في الجاهلية
ولكن بعض العلماء المعاصرين يرون أن تحريم التماثيل كان في سياق معين أما إذا كانت التماثيل لغرض ثقافي أو تاريخي وليست للعبادة، فلا حرج فيها.. خاصة اذا كانت التماثيل وسيلة للتكريم والتخليد دون تعظيم ديني، مثل النصب التذكارية لشخصيات تاريخية،
.
مع ان التمجيد والتقديس لم يعد يحتاج لتمثال في بلدنا .. فانما يكفي ان يعين شخص في منصب سامي او يتظاهر بأموال طائلة او حتي يدعي الصلاح ! فإنه سينال من التمجيد الزائد و التعظيم المعلن امام الجميع الذي يصل إلى حد التقديس، دون ان يكون ذلك ممنوعًا شرعا في مجتمعنا ، ألا يسمي هذا الكيل مكيالين ؟حتي لا أقول النفاق الديني !
أظن ان العقل البشري اصبح اكثر نضجا ولم يعد هناك دافع لتحريم معالم فنية مرئية صنعت من اجل أهداف ثقافية حضرية ، كما انه ليس من المنصف تفسير جهود بشرية تهدف الي إبراز جوانب ثقافية وتكريما لشخصيات تأريخية ساهمة في بناء وطن من اجل تنوير اجيال حول تاريخ بلدهم تحاشيا لطمس التراث وتحريف التاريخ وحفاظ علي الذاكرة الاجتماعية ومحاربتها بفتاوي صيغت من احداث في سياق مختلف ..لمجرد تشابه أدوات الحسية رقم تغيير المفاهيم العقلية حولها .
مع انني في هذا السياق أؤكد انه لو اتينا بأبو جهل في هذه الايام لن يقبل بعبادة الأصنام المتمثلة في الحجارة او التماثيل .لأن العقول البشرية اليوم اصبحت مرتبطة اكثر بالماديات والأعمال والتصرفات التي تحاكي ما تمليه الوسائط الاجتماعية بدلا عن ما تمليه الذاكرة البشرية القديمة!
ولأن الرسول الله علية افضل الصلاة والسلام بلغ رسالته بطريقة لم تترك مجالا لعملية الإسقاط هذه
ونزع من عقول المجتمع انذاك فرضية عبادة الأصنام وطهر بلاد العرب من الوثنية
فكيف يقلع أبو جهل عن عبادة الأصنام المتمثلة في تقديس التماثيل رغم ان هذا ما وجد عليه آباءه الأولين
ويعبدها جيل في القرن الواحد والعشرين ؟
وكل من كانت لديه نظرة تحليلية عميقة تجمع بين الفهم التاريخي والتحليل النفسي والاجتماعي للعقلية البشرية ، سيري أن العقل البشري لم يعد معرضًا للانخداع بالأصنام الحجرية كما كان في العصر الجاهلي،
، لأن الظروف الاجتماعية والثقافية التي تسببت في عبادة الأصنام لم تعد قائمة اليوم ، في عصر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، ولم تعد التماثيل تُرى كرموز مقدسة بل كأعمال فنية أو رموز ثقافية. إذن، إسقاط حكم التحريم المطلق عليها ليس واردا خاصة .
إذا كان المقصود بعبادة الأصنام المسند اليه الحكم هو الطقوس التي توحي بذلك في السياق القديم كالانحناء أمامها، فهذا انتهى تماما تماما ولن يعود ، أما إذا كان المقصود بها التقديس المطلق فيجب نقل الإسقاط الي الكثير من الرموز الاخري الغير حسية (المال، الشهرة، التكنولوجيا، القادة، الأيديولوجيات)،
لان هذه الممارسات قائمة، وشائعة بين صفوف المجتمع ولا تتطلب التماثيل المادية.
فأما المقارنةبين الماضي والحاضر تحتاج إلى إعادة تقييم. ومطابقة الأساليب العقلية مع المفاهيم الحسية
ليس من المنصف التمسك ببعض الفتاوي المتعلقة بالشواهد المادية الثابتة في سياق تاريخي متحول
مع تجاهل المسلكيات الطارئة التي يتصرف بها الجميع رغم تعارضها مع الدين !
فالتمسك بالفتاوى المتعلقة بالظواهر المادية الثابتة، مع التغافل عن الانحرافات الأخلاقية والسلوكية الطارئة التي تتناقض مع روح الدين نفسه يعتبر نفاقا دينيا ، ونوع من الانتقائية في بعض الفتاوى، حيث يتمسك البعض بتحريم التماثيل والنصب التذكارية على أساس “سد الذرائع”، رغم أن الذريعة نفسها لم تعد قائمة.
في المقابل، لا يتم التعامل بنفس الصرامة مع قضايا اجتماعية جديدة تهدد القيم الإسلامية، مثل إلاستغلال المالي، والتلاعب بالأخلاق عبر الإعلام، واللامبالاة تجاه العدالة الاجتماعية.
فمن المفارقة أن تري البعض يتمسك بتفسيرات تراثية نشأت في سياق معين، في حين أن سلوكياتهم اليومية تخالف روح الدين، سواء في التعاملات المالية، أو الاجتماعية، أو حتى الأخلاقية.
-توضيح : للجانب الثقافي والفني للمشروع
يعتبر هذا النصب التذكاري رمزا ثقافيا وليس كيانًا دينيًا
يجسد صورة الرئيس المختار ولد داداه
من تصميم المهندس احمد ولد اعمر
وليس مجرد تمثال، بل هو مشروع ثقافي يهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية وتخليد شخصية تاريخية لعبت دورًا محوريًا في تأسيس موريتانيا.
حاولت تصميمه بطريقة تحترم الخصوصية الثقافية والدينية، مع الاستفادة من تجارب الدول الإسلامية الأخرى التي وجدت توازنًا بين الفن والتقاليد ،فهذا النوع من النصب التذكارية موجود في جميع أنحاء العالم كجزء من الثقافة والتاريخ، ولا تعني بأي حال من الأحوال العودة إلى عبادة الأصنام.
الهدف من المشروع ليس تقديس الشخصية، بل توثيق دورها في بناء موريتانيا الحديثة، وتعزيز الذاكرة الوطنية للأجيال القادمة، وتخليد الشخصيات التاريخية التي ساهمت في بناء المجتمعات، و لا يتجاوز حد التكريم الثقافي، ويعتبر وسيلة تخليد للذاكرة الوطنية وإبرازا للقيم التي جسدها القادة المؤسسون.
واري ان موريتانيا تحتاج إلى رموز مرئية تُعزز الفخر بالهوية الوطنية وتوثق إنجازات قادتها.
ويعتبر هذا المجسم أيضا عملا فنيا يعكس تطور الفنون في موريتانيا، وهو جزء من ترسيخ الهوية البصرية للبلاد، يمكن تصميمه بطريقة حديثة تُراعي الذوق العام وتحترم الخصوصية الثقافية الموريتانية، بحيث لا يكون مجرد تمثال، بل تحفة فنية تحمل دلالات رمزية.
تحيات المهندس
احمد ولد اعمر
صاحب فكرة وتصميم نصب الأمة