إفريقي ومغاربيالأخبارتقارير ودراسات

تقارير :”المال الغربي” والسيادة الإفريقية … إما الإذعان أو الإفقار..

الصدى – تقارير  إفريقية/

في إحدى الشعبيات الريفية في وادي نهر النيجر، حيث تتشابك حكايات الفلاحين مع تداعيات السياسات المحلية والإقليمية والدولية، يعيش بوباكار جيبو، في حقله الصغير، بينما لا ينفك يسأل نفسه كيف يؤمن سبل الرزق له ولأسرته، في ظل الظروف التي تعاني منها بلاده، يتجاوز قلقه مجرد العيش اليومي، يتحدث رفاقه عن أملهم في مستقبل أفضل كثيرا مما عاشوه الفترة السابقة، بينما يظل الواقع محل تحد كبير لهذه الطموحات.

بوباكار ليس مجرد عامل زراعي، بل يمكن وصفه أنه نموذج مصغر لشعب النيجر، الذي يحلم بشق طريقه نحو حلم الاستقلالية والحياة الكريمة والازدهار المشروع، الذي ما يزال عليه أن يصطدم بصخرة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي دوما ما كانت عائقا تاريخيا للحلم الإفريقي المنشود.

في 26 يوليو 2023، سيطر الجيش على مقاليد الحكم في البلاد، بعد الإطاحة بنظام الحكم الموالي للحكومات الغربية، وكان الهدف المعلن لهذا التحرك مواجهة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ووقف التدخلات الغربية التي تحدد مصائر الدول النامية بناءً على مصالحها الاقتصادية والسياسية.

النيجر، الذي يعاني من الفقر المدقع والتحديات الهائلة في التنمية، كان يعول في وقت سابق على الدعم الدولي لتحسين ظروف مواطنيه المروعة. ومع ذلك، في أكتوبر 2023، أعلنت الولايات المتحدة عن استبعاده من برنامج “النمو والفرص في إفريقياAfrican Growth and Opportunity Actالمعروفة اختصارا بـ”أغوا”، والذي يوفر معاملة تفضيلية للصادرات في الأسواق الأمريكية، بدعوى فشلها في تحقيق تقدم مستمر باتجاه حماية التعددية السياسية وسيادة القانون.

في الشهر ذاته، أعلنت الولايات المتحدة قطع حزمة مساعدات بـ442 مليون دولار كانت مقررة عبر “مؤسسة تحدي الألفية” التي تدعم دولا نامية تلتزم المعايير الديمقراطية وكانت تهدف إلى ترميم طرق ومسارات تجارية للزراعة في بلد يعد من الأكثر فقرا في العالم، كما أعلنت إلغاء مساعدة أخرى بقيمة تناهز 200 مليون دولار كان قد تم تعليقها في وقت سابق، بسبب حجج تتعلق بالفشل في تلبية معايير الحوكمة أو غيرها من المعايير”، ما أضعف بشكل كبير الاقتصاد المتأثر بالفعل في البلاد.

على النهج ذاته، أوقفت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، والاتحاد الأوروبي، ودول بإفريقيا وأوروبا تعاونها الاقتصادي والإنساني مع النيجر، بينما تركت مواطنيها يواجهون مصيرا مجهولا دون أي بدائل واضحة.

لم تترك لنا أي فرصة للنجاة”، يقول بوباكار بحزن وهو ينظر إلى حقله الذي يحتضر تحت أشعة الشمس الحارقة، “الآن، نجد أنفسنا نواجه صعوبات أكبر، الأمر لا يتعلق بمجرد الدخل الاقتصادي، بل بالاستقلالية والكرامة أيضاً“.

الضغط بسلاح المساعدات واتفاقات التجارة

في 29 فبراير 2024، صوت أعضاء البرلمان الأوروبي لصالح اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وكينيا   (EPA)، وبينما رآها البعض نجاحا بارزا للمفوضية الأوروبية، بعد 20 عاما من المفاوضات، أثار الأمر غضبا واسعا وتساؤلات كثيرة داخل جماعة شرق إفريقيا.

مثل كينيا، تتلقى الدول الإفريقية بانتظام عروضا من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم لتوقيع اتفاقيات للتجارة الحرة (FTAs)، وفي ظل ميزان القوى غير المتكافئ  يبدو محكوما على أبناء القارة إلى الأبد بأن يكونوا أكبر الخاسرين، ما يضع تحديا كبيرا بشأن كيفية مقاومة الدول الإفريقية ضغوط الشمال في الاتفاقيات التجارية، مع مواصلة العمل على تأكيد أولوياتها.

مع ذلك، أظهر لنا التاريخ الحديث أن هناك مجال لمقاومة الدخول الأوروبي والأمريكي، في وقت حيث المكان الوحيد الذي لا تزال فيه الدول الإفريقية قادرة على الدفاع عن مصالحها التجارية، منظمة التجارة العالمية(WTO) ، في طريقها إلى الاختفاء، والجهود المبذولة للمضي قدما في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) – المعقودة عليها الكثير من الآمال – تقوضها اتفاقيات التجارة الحرة الأمريكية والأوروبية.

منذ عام 2000، كان لدى الولايات المتحدة، من خلال قانون النمو والفرص في إفريقيا (Agoa)، نظام تفضيل معمم  (GSP) مخصص للدول الإفريقية، وفقا للقواعد التي وضعتها منظمة التجارة العالمية، والتي تسمح للبلدان المتقدمة بتقديم رسوم جمركية صفرية لأقل البلدان نموا (LDC)، على أساس مبدأ الإنصاف، ومع ذلك، فقد أسيء استخدام هذا النظام، حيث استخدمت الولايات المتحدة المشروطية كأداة للقوة والضغط – الاقتصادي والدبلوماسي – على البلدان الإفريقية، حيث تعيد فيكل عام – ومن جانب واحد – تقييم البلدان التي يحق لها أو لم يعد يحق لها الوصول التفضيلي إلى سوقها.

بالإضافة إلى الانقلابات أو انتهاكات حقوق الإنسان، يؤدي الإضرار بمصالح الولايات المتحدة إلى إزالتها من قائمة الدول المستفيدة من الاتفاقية، ففي في يوليو 2018، على سبيل المثال، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رواندا بعد قرار EAC بحظر دخول الملابس المستعملة، المستوردة بشكل أساسي من الولايات المتحدة، والتي كانت تخنق قطاع النسيج المحلي.

وفي يناير 2022، تم استبعاد إثيوبيا من أغوا بناء على انتهاكات حقوق الإنسان، في سياق الحرب الأهلية في منطقة تيغراي. وفقا لكبير المفاوضين التجاريين الإثيوبيين السابق، مامو ميهريتو، في عهد أغوا، ارتفعت صادرات إثيوبيا من 28 مليون دولار أمريكي إلى 300 مليون دولار أمريكي بين عامي 2000 و 2020، وقد أدى استبعاد البلاد إلى فقدان حوالي 100,000 وظيفة، معظمها في مصانع النسيج في جنوب البلاد، التي توظف عاملات لم يكن على صلة بأي شكل من الأشكال بالصراع في الشمال.

وذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك، وبدأت أيضا في دعوة البلدان الإفريقية إلى إبرام اتفاقيات إطارية للتجارة والاستثمار معها. هذه الاتفاقيات، التي توفر إطارا للعلاقات التجارية وتسهل الاستثمار الأمريكي في القارة، ينظر إليها على أنها نقطة انطلاق للتحرك نحو التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة”، كما يوضح بول رايبرغ، رئيس التحالف الإفريقي للتجارة والمدافع عن قطاع التصدير الخاص في إفريقيا.

إن تاريخ العلاقات الإفريقية وإدارة الاستثمار مع الشمال أكثر ضررا بكثير مما هو عليه في حالة التجارة. ونظام قانون الاستثمار الدولي الحالي يحمي بالفعل بقوة مصالح البلدان المصدرة لرأس المال ويعززها، إذا كان ينظر إلى الاتفاقيات الإطارية للتجارة والاستثمار على أنها تهديد للمصالح الإفريقية، فلماذا التوقيع عليها؟”.

تم التوقيع على اتفاقيات TIFAs بالفعل مع ثمانية بلدان وثلاث مجتمعات دون إقليمية، وينظر إليها بقلق هاريسون مبوري، الباحث الكيني في معهد ماكس بلانك في لوكسمبورغ، والمتخصص في القانون الدولي وإفريقيا.

يفسر ميوري: “تستخدم الدول الشمالية عموما تهديدات وحوافز خفية لتأمين التنازلات. وبالنسبة لبلدان إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ، فإن عبء الديون السيادية واحد، وإدارة حقوق الإنسان عبء آخر أحدث عهدا. لذا فإن طاولة المفاوضات ليست عادلة ومنصفة على الإطلاق“.

جزرة “الشراكة “وعصا “الوصول التفضيلي”

وعلى غرار الولايات المتحدة، دأب الاتحاد الأوروبي على تعزيز مصالحه التجارية من خلال توقيع اتفاقات الشراكة الاقتصادية مع بلدان إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ منذ عام 2002، مستخدما كل الحجج التي في وسعه لتأمينها. 

في البداية، أكد الاتحاد الأوروبي أن اتفاقات الشراكة الاقتصادية هي السبيل الوحيد لاحتفاظ بلدان إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ بإمكانية الوصول إلى سوقه معفاة من الرسوم الجمركية، مع الامتثال في الوقت نفسه لقواعد منظمة التجارة العالمية.

وعلى هذا الأساس، تمكن من تهديد جميع البلدان النامية في إفريقيا بسحب وصولها التفضيلي إلى أسواقها إذا لم توافق على التوقيع على اتفاق شراكة اقتصادية، بدلا من محاولة التفاوض على تنازل مع منظمة التجارة العالمية، كما فعلت مع مولدوفا، على أساس ضعف قدرتها التنافسية.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث ذهب إلى التلويح بالوعد بأن الحكومات الإفريقية ستتلقى المساعدة لتعزيز القدرة التنافسية لأعمالها وتحسين أنظمتها الضريبية من أجل تحويل خسارة الإيرادات من الرسوم الجمركية إلى الشركات المحلية في شكل ضرائب.

بين عامي 2014 و 2019، تعهد الاتحاد الأوروبي بمبلغ 6.5 مليارات يورو في إطار برنامج تطوير اتفاقية الشراكة الاقتصادية (EPADP) للبلدان النامية في غرب إفريقيا، كجزء من اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وغرب إفريقيا “إيكواس” و“وايمو”، لكنها كانت مجرد مساعدات قديمة أعيد تجميعها تحت مسمى جديد، وفقا للخبراء.

ورغم أن دول إفريقيا تعد من أغنى الدول من حيث الموارد الطبيعية كالنفط والغاز، تبقى المنطقة أكثر فقرا من حيث التطور والتنمية، فإفريقيا وإن كانت قد تخلصت من الاستعمار، إلا أنها ظلت تعيش حالة من التبعية والارتهان للدول الأوربية. رغم أن هذه الأخيرة وعلى رأسها فرنسا ما فتئت تعمل على تغذية الاشتباكات والنزاعات الإثنية والطائفية والحروب الأهلية والقبلية، وإشعال فتيل الصراع على الأراضي والمياه والثروات الطبيعية في كل مكان من القارة الإفريقية.

أدى ذلك إلى تحول القارة إلى منطقة مشتعلة بسبب غياب – أو تغييب – الاستقرار. ما ضاعف من مشاكلها الاقتصادية والتنموية عموما. وتكفي الإشارة أنه من بين 53 دولة إفريقية، توجد 23 دولة منها تعتبر وفق التقارير الدولية في موضوع التنمية من أكثر دول العالم فقرا. وأزيد من 60 في المائة من بين 800 مليون إفريقي يعيشون حالة أدنى من مستوى الفقر المعتمد عالميا من المؤسسات التنموية.

المساعدات الدولية، حتى لو كانت الدول الإفريقية نفسها حريصة على تلقيها، تميل إلى جعلها تغفل عن مصالحها الأساسية. في منظمة التجارة العالمية، في عام 2000، رافق نيكولاس إمبودن، وهو مستشار سويسري في التجارة الدولية للبلدان النامية، بعض بلدان إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ في مفاوضاتها بشأن القطن المدعوم من البلدان المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، التي كانت تتنافس بشكل غير عادل مع إنتاجها من القطن.

“دافع الأفارقة عن أنفسهم بشكل جيد للغاية في المفاوضات حتى بدأت الولايات المتحدة والأوروبيون والصين في تقديم مساعدات مالية. قلت لهم: ارفضوا! هذه هدايا مسمومة تعتمد على حسن نيتهم، في حين أن تجارة القطن مستدامة وستذهب الفوائد مباشرة إلى مزارعيك.

لسوء الحظ، سمح الكثيرون لأنفسهم بأن يهدأوا، وأن يفسدهم احتمال الحصول على المعونة. حتى بوركينا فاسو – في ذلك الوقت – تخلت عن مطالبها عندما عرضت عليها الولايات المتحدة عضوية أغوا.

على الرغم من حججه القوية، استغرق الاتحاد الأوروبي ما بين خمس سنوات و 20 عاما للتوقيع بشق الأنفس على اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع منطقتين فقط من القارة الإفريقية وأربع دول في المناطق الأخرى.

واختارت جميع أقل البلدان نموا في إفريقيا الإبقاء على نظام الأفضليات المعمم الأوروبي، الذي تنظمه منظمة التجارة العالمية ويقدمه الاتحاد الأوروبي، والذي تظل مؤهلة للحصول عليه استنادا إلى مستوى تنميتها المنخفض، ما بات ينظر إليه بأنه نتيجة سيئة للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى الجهود التي بذلها.

عدد من البلدان الإفريقية المصنفة على أنها بلدان نامية رفضت التوقيع، وبالتالي حرمها الاتحاد الأوروبي من نظام الأفضليات المعمم التوقيع على اتفاقات الشراكة الاقتصادية، لكن على الرغم من التهديدات وعروض المعونة الأوروبية، اختارت نيجيريا، على سبيل المثال، الغنية بالنفط والغاز، حماية صناعتها الوليدة من الصادرات الأوروبية.

كانت المفاوضات مضنية بالنسبة للبلدان التي قررت التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية لحماية صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي، مثل غانا وكوت ديفوار والكاميرون، وخلال المفاوضات عدل الاتحاد الأوروبي موقفه بشكل كبير في العديد من أحكام الضمانات الخاصة الواردة في النص النهائي للاتفاق، ولا سيما فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي والصناعي في غرب إفريقيا، وهكذا تمكنت غرب إفريقيا من تأمين حماية خاصة لبعض قطاعاتها من المنافسة من المنتجات الأوروبية في نص اتفاقية الشراكة الاقتصادية.

الثروات في إفريقيا.. والأثرياء في “الغرب” 

وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم الصادرات والواردات الإفريقية من وإلى العالم بلغ نحو 1016 مليار دولار، منها 564 مليار دولار واردات من 231 دولة خلال عام 2020، بينما يقدر حجم الصادرات الإفريقية بنحو 452 مليار دولار يتم تصديرها إلى 223 دولة. ووفق هذه الأرقام، فإن حركة التجارة البينية بين دول القارة أقل من 7 في المئة من إجمالي حركة التجارة. وتبلغ قيمة التجارة البينية بين دول القارة قرابة 70 مليار دولار سنوياً، أي ما يمثل نحو 6.8 في المئة من قيمة التجارة البينية مع باقي دول العالم.

في المقابل، تمتلك دول القارة السمراء نحو 30 في المئة من الثروات المعدنية في العالم و12 في المئة من الاحتياطي العالمي للنفط و43 في المئة من مصادر الذهب العالمي و50 في المئة من مصادر الماس في العالم و67 في المئة من الأراضي الزراعية غير المستغلة، في الوقت الذي لا تزيد التجارة البينية الإفريقية على 7 في المئة.

يتعامل الاتحاد الأوروبي مع المغرب العربي بشكل منفصل عن بقية إفريقيا، كجزء من سياسة الجوار الخاصة به.

وكان المغرب وتونس قد وقعا بالفعل اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، لذلك طلب الاتحاد الأوروبي في عام 2013 من البلدين التوقيع على اتفاقيات التجارة الحرة العميقة والشاملة، والتي تهدف إلى تغطية العديد من جوانب الحياة الاقتصادية، وبشكل أكثر تحديدا، لقيادة البلدين إلى اعتماد المكتسبات المجتمعية، وبعبارة أخرى، مجموعة القوانين واللوائح التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي منذ إنشائه.

في المغرب، في مايو 2015، حذر نزار بركة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي آنذاك، قائلا: “ستكون هناك حاجة إلى الحذر في اختيار التوجيهات التي قد نرغب في نقلها، لأن المكتسبات المجتمعية هي طريقة تفكير، ومجموعة من القيم، ونحن بحاجة إلى التأكد من أنها تتماشى مع الدستور الجديد [لعام 2011]، ومع قيمنا الوطنية”. وفي تلك المرحلة، كانت المفاوضات قد علقت لمدة عام ولا تزال كذلك حتى يومنا هذا.

وفي الوقت نفسه، أكد جمال بالحراش، رئيس اللجنة الاجتماعية لجمعية أرباب العمل المغربيين، “لا نريد جمودا أوروبيا في المغرب، ولا نريد أن نرى ميزتنا النسبية تقوض بسبب التقارب”. وبعبارة أخرى، لا يريد أرباب العمل المغاربة المزيد من معايير الحماية للموظفين أو الصحة العامة، على سبيل المثال، والتي يرون أنها تقيد حرية وربحية الشركات. وهناك أيضا معارضة لاحتمال إصدار أوامر تنظيمية إلزامية لا تتناسب تماما مع واقع واحتياجات الاقتصاد المغربي، لا سيما بالنظر إلى أن 60 في المائة من العمالة في البلاد لا تزال غير رسمية. وفي تونس، علقت المفاوضات لنفس الأسباب.

تتقاطع إفريقيا مع أربع نقاط إستراتيجية من أصل ثمان حول العالم (قناة بنما – قناة السويس – مضيق ملقا – مضيق هرمز – مضيق باب المندب – رأس الرجاء الصالح – مضيق البوسفور التركي – مضيق جبل طارق). وهو ما يجعل إفريقيا موضع تنافس بين القوى الدولية للسيطرة على طرق التجارة وتعزيز تموضعها العسكري على المستوى الإستراتيجي والتكتيكي. وبمراجعة خريطة القواعد العسكرية سنجد أن القواعد العسكرية تقع بالقرب من المضائق البحرية وطرق الملاحة الإستراتيجية ما يضعها في موقع تفوق أمام القوى الأخرى ويعزز من هيمنتها ونفوذها.

وتشهد القارة الإفريقية معدل نمو متسارعًا لسكان المدن والقرى حيث تراجعت نسبة سكان الريف مقابل سكان الحضر في إفريقيا من 84٪ سنة 1955 إلى 43.4٪ من إجمالي سكان إفريقيا في سنة 2019؛ ما يجعل من إفريقيا سوقًا استهلاكية مهمة للدول المنتجة الكبرى، وهو ما يدفع تلك الدول للتنافس فيما بينها للحصول على أكبر حصة من السوق والاستحواذ على الثروات الطبيعية والمواد الأولية.

هل الحل في الاتفاقات الحرة القارية؟

بين مقاومة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية وتعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، فإن قدرة الدول الإفريقية على تحديد مصالحها والدفاع عنها واضحة، على الرغم من حقيقة أن ميزان القوى يميل بشكل كبير لصالح الاتحاد الأوروبي. ولكن حتى عندما يتم التفاوض على هذه الاتفاقيات بشكل جيد نسبيا، فإن إطارها ما تزال تحدده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: فهما اللذان يأخذان زمام المبادرة، في حين أن إفريقيا تقتصر على اتخاذ موقف دفاعي.

وبالنسبة لمبوري، فإن “مشكلة إفريقيا ليست الوصول إلى الأسواق، بل تنويع اقتصاداتها واكتساب القدرة الصناعية لإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية“.

ومع ذلك، فإن إضعاف منظمة التجارة العالمية، الضامن للتعددية، يقلل من قدرة الدول الإفريقية على الدفاع عن مصالحها. على الرغم من أنها تأسست لتعزيز التجارة الحرة، وعلى الرغم من الوسائل التي تستخدمها الدول المتقدمة لاستبعاد الدول النامية من المناقشات، إلا أن المنظمة الدولية كانت أفضل مكان لدول مثل الدول الإفريقية للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والتجارية، لأن المناقشات يجب أن تشمل جميع الدول الأعضاء ويتم اتخاذ القرارات بالإجماع.

في منظمة التجارة العالمية، كانت الدول النامية قادرة على مقاومة ضغوط الدول الغنية، ولكن في عام 2017، وردا على الجمود، أطلقت الدول الغنية سلسلة من المفاوضات متعددة الأطراف داخل منظمة التجارة العالمية نفسها، بين الدول الغنية، والتي تم استبعاد الدول الإفريقية منها.

إذن ما الذي يمكنهم فعله لتأكيد أولوياتهم عند التعامل مع القوى العالمية؟ اختار الاتحاد الإفريقي إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية  (AfCFTA). “يجب استخدام منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لزيادة التجارة البينية بهدف بناء نسيج صناعي في إطار حواجز غير جمركية مرنة نسبيا”، كما يقول كوامي أوسادزيفو وونيرا، المحاضر والباحث في جامعة كارا في توغو، المتخصص في القانون والسياسة التجارية الدولية. يمكن أن تؤدي منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، الموقعة في عام 2018، إلى إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم، مع 1.3 مليار مستهلك وناتج محلي إجمالي مشترك يزيد عن 3.4 مليار دولار أمريكي.

ومن شأن هذه السوق أن تعطي إفريقيا ككل وزنا كبيرا في المفاوضات، أي إذا لم يكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد وقعا بالفعل اتفاقات الشراكة الاقتصادية واتفاقات تيسير التجارة الدولية مع بلد عضو في كل منطقة إفريقية دون إقليمية.

يقول مايس: “نحن في وضع تسعى فيه منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى ترسيخ نفسها كسوق واحدة، لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لديهما بالفعل موطئ قدم في كل مكان، “عندما كان ترامب يقاتل لتأمين توقيع TTIP، قال إنه سيستسلم ويوقع اتفاقية تجارة حرة مع ألمانيا وحدها، بدلا من ذلك. هذا جعل الجميع يضحكون، لأنه مع السوق الموحدة، كل ما يدخل ألمانيا يمكنه الوصول إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. لكن هذا بالضبط ما يحدث في إفريقيا”، فهل يساعد ذلك في تحقيق الحلم الإفريقي بالاستقلالية والازدهار المشروع؟

 

المصدر : أصوات إفريقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى