تكْلفة الانتخابات.. والنموذج الأمريكي / خالد عمر بن ققه
تتّجهُ دول العالم منذ سنوات ـ من خلال نُخبها السياسيّة والثقافيّة، ومنظمات المجتمع المدني ــ إلى المطالبة بالنظر في تكاليف الحملات الانتخابية للمرشحين، لعاملين أساسيين، الأول: يخص الممولين ومصادر الأموال، والمبالغ الكبيرة التي تدفع من أجل الحملات الانتخابية، والثاني: التأثير على صناعة القرار، خاصة في المجالين الاقتصادي والسياسي، بعد فوز المرشح المدعوم.
وعلى خلفيّة ذلك يدعو كثير من المراقبين في خطاب ـ إعلامي وسياسي تتسع دوائره حسب متطلبات كل مرحلة من تاريخ هذا الشعب أو ذاك ـ إلى تقْوِيم العلاقة بين الداعمين والمرشحين، خاصة بعد أن بلغ الانفاق على الحملات والدعاية الانتخابية المليارات، والمثال الواضح هنا ما أنفقه المرشحان الأمريكيان ـ دونالد ترامب وكمالا هاريس ـ في الأسبوع الأخير من حملتهما للانتخابات الرئاسية، حيث تذكر التقارير الإخبارية أنه بلغ مليار دور أمريكي ـ للمرشحيْن معاً ـ في الأسبوع الأخير وحده.
ونأتي على ذكر الانتخابات الأمريكية هنا كونها تعدُّ من بين الأغلى والأطول في العالم، ذلك أن الانفاق فيها يزيد كثيرًا عما يتم إنفاقه في معظم الدول، كما أن جهود الحملات الانتخابية تستمر طويلاً بداية من الترشيحات، مرورا بالمسار الانتخابي، إلى التصويت، ثم التنصيب، وكل هذا يتمّ في فترة تصل إلى عامين تقريبًا.
وبذهب المراقبون إلى أنه من المتوقع أن تصبح الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تشير التقديرات إلى أن الحملتين الرئيسيتين ولجان العمل السياسي ذات الصلة والمجموعات الأخرى المتحالفة أنفقت أكثر من 15.9 مليار دولار على مدار دورة الانتخابات متجاوزة المستوى القياسي السابق المسجل في 2020م، البالغ 15.1 مليار دولار.
وبالرغم من أن المراقبين أرجعوا التطور في الانفاق على الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية إلى التضخم، الذي تشهده البلاد، إلى أن الارتفاع لا يخص هذه الانتخابات، بل هو في تطور مضاعف منذ انتخابات 1998، حيث كانت وقتها 1,618 مليار دولار، ما يعني وصولها إلى عشر أضعاف تقريباً في الوقت الراهن.
قد يبدو الانفاق ــ كما هو على النحو الحالي ــ عادياً في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي معظم الدول الغربية الأخرى، ذات التقاليد العريقة في العملية الديمقراطية، وذلك لوجود منظومة قانونية يتم الاستناد عليها للقيام بذلك، وكون أن التمويل تُسهم فيه الشركات الخاصة، وتكون النتيجة سيطرة رأسمال على صناعة القرار السياسي، لكن بالنسبة للدول ذات الأنظمة الشمولية، والمتخلفة، فإن الوضع مختلف، لأنها تمويلها في معظمه يأتي من خزينة الدولة، حتى لو كانت غالبية المرشحين من المعارضة، ومع ذلك فإن عملية نقد تمويل الانتخابات أصبح ظاهرة عامة، وإن اختلف من دولة إلى أخرى؟
والحديث ـ أو الشكوى ــ من زيادة تكاليف الحملات الانتخابية هو اليوم أكثر تداولاً بين شعوب ونخب دول العالم الثالث مقارنة بمثيلاتها في دول المجتمعات المتقدمة، لأنها لا تجني ـ في الغالب ـ من دعمها للمرشحين أي فائدة تذكر، ولا حتى وفاء بعهود سبق لهم أن رفعوا شعاراتها أثناء الحملة الانتخابية، وقد يكون بعضهم في حلٍّ من المسؤولية لأن الأنظمة القائمة، والدولة العميقة لا تسمحان له بتحقيق برنامجه الانتخابي.
مهما تكن النظرة لتكاليف الانتخابات على المستوى العالمي، وربطها بالأوضاع الاقتصادية، فإن كل المؤشرات تَشي بتغير في الموقف من الانتخابات بشكل عام، الأمر الذي سينتهي إلى تقييم لنوعية السلطة وطبيعة الحكم، حيث تطرح اليوم آراء متباينة في ساحات متعددة، قائمة على فكرة مفادها: ضرورة إعادة النظر في” الديمقراطية فكرة ومنهجا”، وبالتالي عدم الاكتفاء بفلسفتها التي هي جزء من التراث الإنساني، وتلك تكلفة أكبر بكثير من التكلفة المادية للانتخابات.