حزب الله.. أعلام واستسلام! / بقلم الاعلامي البارز محمد الحمادي
في حالة الحرب الأخيرة في لبنان التي انتهت باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، يمكن القول إن الطرفين خسرا إذا ما نظرنا إلى النتيجة النهائية من منظور إنساني وأخلاقي؛ فالدمار الذي لحق بالبنية التحتية وبالضحايا المدنيين يعكس فشلاً في تحقيق اي انتصار، أما ادعاء النصر على أنقاض هذا الدمار فهو تضليل للواقع وابتعاد عن مواجهة الحقائق… فهذه الحرب انتهت بين طرفين خاسرين؛ الأول “منسحب” والآخر “مستسلم”!
تُعرَّف الحروب غالباً بأنها لعبة أرقام وخسائر، ولكن الخطاب السياسي يسعى لتشكيل مفهوم النصر والهزيمة على أسس مختلفة، في حالة “حزب الله” رُوِّج لفكرة النصر بناءً على صمود المقاومة أمام قوة عسكرية أكبر بكثير، وهي إسرائيل، ما أوحى بأن الحزب كقوة قادرة على مواجهة الهيمنة الإسرائيلية.
ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الأرقام والواقع المادي، فسنجد دماراً شاملاً في جنوب لبنان، وتهجيراً واسعاً للسكان، وضرراً هائلاً على الاقتصاد والبنية التحتية… فكيف يمكن لهذا أن يُعتبر نصراً؟
المفارقة الكبرى في هذه الخطابات السياسية المؤدلجة وخطاب حزب الله في هذه الحرب هي تجاهل الجانب الإنساني، فيُقتل الآلاف وتُدمر حياة الملايين، ثم يأتي الخطاب السياسي ليحوّل كل ذلك إلى “تضحيات من أجل النصر”.. في هذا السياق، يصبح الإنسان مجرد أداة في لعبة سياسية، تُستخدم آلامه ومعاناته لتبرير السياسات وتثبيت السلطة.
الأسوأ من ذلك أن خطاب حزب الله المتكرر في كل حرب للترويج “للنصر المزعوم” قد يؤدي إلى تطبيع الهزيمة، حيث تصبح الجماهير معتادة على الخسائر ومتقبلة لها، طالما أن الرواية السياسية تقدم لهم أملاً زائفاً بالانتصار.. وهذا ما كان واضحاً في مشهد فرحة الجماهير بعد إعلان وقف إطلاق النار والتلويح فرحا وابتهاجا بعلم حزب الله الذي لا يزال أتباع حزب الله يرونه “أصفر” والعالم يراه باللون الأبيض!
في هذا السياق، يمكن أن نفهم كيف تُصوَّر الهزيمة كنصر في الخطاب السياسي، حتى وإن كانت النتائج كارثية على الأرض.. المثال الأكثر وضوحاً هو حرب لبنان عام 2006، التي شهدت تدميراً واسعاً للبنية التحتية في جنوب لبنان وسقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، ومع ذلك، خرجت الأطراف المتورطة في الحرب لتعلن النصر، مستندةً إلى معايير رمزية أو معنوية، دون الاعتراف بحجم المأساة الإنسانية أو الخسائر المادية.