رسالة أكاديمي إماراتي إلى قادة العالم المشاركين في قمة المناخ بدبي/ أ.د: عبدالخالق عبدالله عبدالرحمن
السادة الكرام
أكرمتمونا بحضوركم في أكبر تجمع دولي تشهده الإمارات منذ تأسيسها دولةً اتحادية مستقلة قبل 52 عامًا. وقد استضافت دولتنا مؤتمرات وفعاليات عالمية كثيرة في العقود الخمسة الماضية؛ ولكن هذا التجمع هو الأضخم والأهم عالميًّا؛ لارتباطه الوثيق بقضايا التغير المناخي والاستدامة التي تهم البشرية جمعاء.
قادة العالم الكرام
زيارتكم فرصة قد لا تتكرر كثيرًا للتعرف إلى دبلوماسية دولة الإمارات البيئية التي أعطت قمتكم أولوية خاصة، وتسعى جاهدة إلى صياغة موقف عالمي عملي وواقعي للحد من تداعيات تغير المناخ الكارثية وتأثيراتها في مستقبل الحياة على وجه الأرض. قد لا تكون هناك قمة أهم من هذه القمة؛ فهي بكل المعايير استثنائية من حيث الحضور الضخم للمشاركين من 197 دولة، ومن حيث البرنامج الطموح المتوقع منها؛ فأكثر من ثمانية مليارات نسمة من سكان الأرض يولُّون وجوههم في الأيام المقبلة نحو قمتكم، ويتطلعون إلى قرارات مصيرية لإنقاذ الحياة على كوكب الأرض، التي هي الحياة الوحيدة المعروفة لدينا في هذا الكون الذي يتسع لنحو 200 مليار مجرة، ولا سيَّما أن كوكب الأرض يعاني أزمات بيئية خانقة وغير مسبوقة منذ تشكَّلت الأرض قبل نحو 4.5 مليار نسمة، ومنذ برز أول إنسان قبل أكثر من 300 ألف عام.
ضيوف الإمارات
لا تقتصر مشكلات البيئة على التغير المناخي، والاختناق الكربوني اللذين تسببا بارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية إلى مستويات كارثية وخطِرة؛ ذلك أن مشكلة التغير المناخي مجرد رأس الجليد الذي يُخفي مشكلات بيئية عالمية متفاقمة؛ إذ أصبحت الحياة ملوثة ومهددة ومستنزفة ومجهدة، وتجاوز التلوث والاستنزاف والإجهاد البيئي كل ما هو معقول ومقبول، ودخل طور الانتحار الإنساني الشامل؛ والبشرية جمعاء في حالة حرب مصيرية أخطر كثيرًا من التهديد النووي الذي أطل برأسه أخيرًا.
السادة الزعماء وقادة الرأي العام العالمي
برزت فجأة مجموعة من الظواهر البيئية العالمية التي أكدت أسوأ التنبؤات بشأن مصير الحياة ومستقبل كوكب الأرض؛ فالعالم يشهد تعرض مناطق عدَّة للتصحر والجفاف الشديدين، ويعيش فيضانات وأمطارًا غير موسمية، ويعاني اندلاع حرائق غير معهودة؛ كما يشهد العالم تدمير الغابات الاستوائية بمعدلات هندسية أدت إلى انقراض 50 في المئة من الكائنات الحيوانية والنباتية التي كانت تعيش على الأرض. أما النفايات النووية والسامة والكيماوية والبلاستيكية والعضوية والصناعية، فقد أخذت تتراكم بمعدل 800 مليون طن سنويًّا، ولم يعد بالإمكان التخلص منها. إن كل ظاهرة من هذه الظواهر البيئية الجديدة تبحث عن حلول غير تقليدية، وإجراءات عالمية سريعة، وتضحيات ضخمة لتحقيق الاستدامة على كوكب الأرض.
السيدات والسادة
لكنْ برغم تفاقم الأزمات البيئية العالمية تظل ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي هي الظاهرة التي تحظى بأكبر قدْر من الاهتمام من المجتمع الدولي حاليًّا، بعد أن أصبحت حقيقة مَعيشة في كل زوايا المعمورة، وأخذت تؤثر في كل مظهر من مظاهر الحياة؛ فالعام الجاري (2023) صُنّف من أكثر الأعوام حرارةً في التاريخ المدوَّن، وكان العقد الثاني من القرن الجاري من أكثر العقود سخونةً، ومعدل الاحترار العالمي الراهن لم يسبق له مثيل في العشرة آلاف عام الماضية؛ وذلك كله يؤكد -بما لا يدع مجالًا للشك- أن التهديد البيئي أخطر من التهديد النووي، وأن الاحتباس الحراري يتفاقم مع مطلع كل يوم جديد.
الحضور الكريم في قمة المناخ “كوب 28”
يجب عدم الاستهانة بالمشكلات البيئية العالمية المعاصرة، وعدم التهوين من الأزمات التي تعصف بصحة الحياة المنهكة والملوثة والمستنزفة؛ فالحياة على وجه الأرض مهدَّدة، والتهديد يتطلب أفعالًا لا أقوالًا، ويبحث عن قرارات ملزمة لا توصيات عابرة، ويتطلب جهدًا عالميًّا جماعيًّا بقدر ما يتطلب جهدًا وطنيًّا ووعيًا فرديًّا. كلنا شركاء في خلق هذه الأزمات البيئية، وكلنا شركاء في حلها، والتخفيف من أضرارها.
ضيوف الإمارات الكرام
لقد أصبح العالم خيمة صغيرة، وليس قرية صغيرة؛ وما تفعله دولة يؤثر بكل الدول في أبعد زاوية من الأرض؛ وما تقوم به كل الدول يؤثر في كل دولة؛ وما يفعله فرد واحد يؤثر في ثمانية مليارات نسمة؛ وما يحدث في أقصى شرق العالم يؤثر في حياة سكان أقصى الغرب. ثمانية مليارات نسمة يقطنون في سفينة واحدة تواجه رياحًا عاتية وعاصفة تهددها بالغرق؛ وأنتم قبطان هذه السفينة، وبيدكم توجيهها نحو بر الأمان.
زعماء ورؤساء العالم
قمّة دبي فرصة ذهبية لمواجهة مشكلات التغير المناخي؛ و10 ملايين مواطن ومقيم في دولة الإمارات، ومعهم بقية سكان الأرض، يتوقعون منكم قرارات شجاعة تمس حياة مئات الملايين من البشر. وقد قدمت دولة الإمارات أفضل ما عندها من حسن الضيافة والتنظيم، وتوفير منصة للجميع وإلى الجميع؛ والآن حان الوقت لتقدموا أنتم أفضل ما لديكم وعندكم.
ضيوف دبي الكرام
أذكّركم بأن مدينة إكسبو، حيث تُعقد قمتكم، ستكون أول مدينة في العالم تُزوَّد 100 في المئة بالطاقة الكهربائية المتجددة؛ وأنه على بُعد 40 كيلومترًا من موقع انعقاد قمتكم يوجَد أكبر مجمع لتوليد الطاقة الشمسية في العالم. ولا بأس أيضًا من التذكير بما قاله معالي الدكتور سلطان الجابر، رئيس قمة “كوب 28″، والشخص المناسب في المكان الأكثر مناسبة: إنه لا مجال للفشل على أرض دولة الإمارات التي تخطط لتكون عاصمة الطاقة النظيفة والمتجددة والخضراء في العالم.
السادة الأفاضل
للتاريخ أبواب كثيرة، ودولة الإمارات العربية المتحدة تتيح لكم فرصة دخول التاريخ من أوسع أبوابه. لقد أوفت دولتنا بالتزاماتها وتعهداتها، وتتوقع منكم الوفاء بمسؤولياتكم عبر قرارات واقعية تليق بقمة تاريخية تُعقد في احتفال دولة الإمارات بيومها الوطني الثاني والخمسين.