عصر التناقض و المفارقة أي واقع معاش ؟!أباي ولد اداعة
يعيش مجتمعنا علي وقع جملة من التناقضات و المفارقات علي جميع الأصعدة و في كل الإتجاهات .
نتيجة عدم الإدراك و الوعي بشروط الحياة الكريمة المبنية علي الأخلاق و إحترام الثوابت .
في ظل مانراه من تحولات إجتماعية عميقة تستهدف نمط الحياة من عادات و تقاليد ضمن تغيرات طارئة علي مستوي العقليات و السلوك و القيم .
و ظهور ممارسات شاذة طغت علي السطح كالنفاق الإجتماعي المنتشر لدينا في مختلف مناحي الحياة و في كل المناسبات و التملق و الكذب و تزييف الحقائق و المعطيات و تفشي الفساد و عدم الإكتراث بالوطن و المصالح العامة .
أمام إنتشار واسع لعولمة غزت البيوت و أستباحت أعراض الناس و نشرت خصوصيات الأشخاص و الأفراد و العوائل و الأسر دون وجه حق .
بشكل غير مسبوق أصبح يهدد الهوية و الخلفية الثقافية و الدينية للشعب ،
إننا في محيط إقليمي و دولي نؤثر كما نتأثر .
و نعيش حقا عصر التناقض و إزدواجية الشخصية نبيح ما يروق لنا و نحرم ما يتعارض مع مصالحنا .
فسياسات و قرارات الحكومة قد تتعارض احيانا مع توجهات الدولة ،
فما نعيشه اليوم من تناقض إجتماعي و خلقي و سلوكي أدي إلي إزدواجية الفقر مع الغني .
فالكل منا لا بد أن يكون غنيا
فالغني عند هؤلاء المتناقضين مشاع ليس له علاقة بالمهنة مهما كانت بسيطة أو وضيعة أو فاضلة .
فالمعلم أو الموظف يمكن أن يكون مدرسا في الصباح أو سائق أجرة أو مضاربا في الأسهم بالمساء أو أثناء الدوام فلا يعفيه مبدأ أو إلتزام و لا قدوة أو فضيلة .
فالأخلاق و القيم و الثوابت أصبحت في أيامنا تقرأ و لا تكتب تسمع و لا تترجم لواقع ملموس فهي في نظرة بعض المراقبين إلتزام تجاوزه الواقع المعاش و تاريخ عفا عليه الزمن .
و لو أدي ذلك للتعدي علي حقوق العامة و الخاصة .
فالغاية عندهم تبرر الوسيلة و المعاملات منفصلة عن العبادة و حب الوطن .
لدرجة أن المواطن البسيط يمسي فقيرا و يصبح ثريا ثراءا فاحشا مجهول أو معلوم المصدر دون مساءلة قانونية تذكر
في ظل الإفلات من العقاب و التهرب الضريبي رغم الشكوك و التهم القائمة .
‐ نحن مجتمع يمنع فيه إستهلاك الكحول و المخدرات و مع ذلك تنشط عبره عمليات تهريب نفس المواد السامة و الضارة و توزيعها و المتاجرة فيها علي نطاق واسع داخل محيط مدارسنا العمومية كما أكد مؤخرا مسؤول حكومي كبير أمام البرلمان من أهل الإختصاص ،
و ذلك منذ أمد طويل بدليل ما يتم رصده و ضبطه من كميات كبيرة و هامة في حالات تلبس من حين لآخر من طرف عناصر الأجهزة الأمنية.
تكيف قضائيا و تختزل تارة في شخصيات خارجية دون غيرها من كبار القوم من أبناء الوطن .
‐ نحن مجتمع ينبذ الغش في الخطاب لكن يطبع معه بسهولة في الواقع : في العمل ، المعاملات المسابقات ، االإمتحانات ..
يجد له كل التبريرات الممكنة .
نحن مجتمع في الوقت الذي يتحفظ و ينتقد فيه البعض المحتويات الهابطة و التافهة عبر وسائل التواصل الإجتماعي نجد أن هذه المنصات تحظي بمتابعة كبيرة
‐ نحن مجتمع لا يطالبك بإحترام ضميرك الشخصي بل بالخضوع لرقابة الجماعة ، افعل ما تشاء لكن في السر .
‐ نحن مجتمع المفسد فينا المقال من عمله نتيجة سوء تسيير أو تدبير أو فساد يستقبل داخل أوساطه الإجتماعية بالزغاريد و ضرب الطبول و بحفاوة في جو من الإحتفالات الرهيبة و بترخيص تارة من السلطات الرسمية أو علي مسمع أو مرأي منها ،
كأنه بطل قومي .
نحن مجتمع تخلي عن قيمه المجتمعية فتصدر التافهون فيه المشهد الوطني أمام تراجع دور المدرسة و الأسرة و رجال الدين .
‐ نحن المجتمع الوحيد الذي يتم فيه إستهداف البعض و السكوت عن أسماء ضالعة في حالات فساد عمومي مبينة بالأدلة و الأرقام .
و الدفع بأصحابها نحو مناصب و وظائف عليا و كأن شيئا لم يحدث .
نحن البلد الوحيد الذي تمنع فيه المفتشية العامة للدولة بفضل قوة أصحاب النفوذ و المصالح الضيقة رغم إلحاح و مطالبة المسيرين الجدد من القيام بإجراء تفتيش دقيق وشامل خلال فترة سابقة من تسيير مؤسسة عمومية خدمية محورية كانت بالأمس القريب مسرحا لفساد عارم و سوء تدبير ممنهج تسبب لها في متاعب مالية كبيرة و كبيرة جدا و تردي في الخدمة و عجز و شبه شلل تم التستر عليه .
نحن الوطن الوحيد الذي تسرق فيه أموال الشعب و تنهب بالجملة علي مرأي و مسمع من الجميع تصنع نخبة فاحشة الثراء قوامها صقور السياسة و كبار الموظفين و المطبلين المسؤولين .
في الوقت الذي ظهرت فبه داخل المجتمع شريحة محدودة من رجال المال و الأعمال فاحشة الثراء أكتسبت أموالها بطرق مشبوهة خلال فترات زمنية قصيرة و في مراحل متباينة
بحكم الزبونية و المحاباة و القرب من أصحاب النفوذ و الإستحواذ علي الصفقات و التحكم بالأنشطة الإقتصادية و الأسواق الرئيسية دون مساءلة أو إثارة من أي كان ؟!
‐ نحن مجتمع طغت عليه المادة و تراجعت فيه القيم المجتمعية يهتم بالمظاهر الكاذبة مما يدفع الفقراء علي غرار أغنياء البلد إلي الإسراف و البذخ و عدم الإهتمام بالحرص و الإقتصاد في المصروف .
‐ نحن البلد الوحيد في العالم تنشر فيه محكمة الحسابات و المفتشية العامة للدولة تقارير فساد بالجملة و بالتفاصيل المملة دون إعتقال أو سجن لأي كان .
‐ نحن البلد الوحيد الذي يقوم بتدوير المفسدين في المناصب الوزارية و الوظائف العليا الحساسة و هم في حالة دفع مسروقات سابقة لدي الخزينة العامة .
‐ نحن البلد الوحيد في العالم الذي يقوم بالتوزير العائلي و الأسري منذ قيام الدولة المركزية إلي يومنا هذا .
بالإضافة إلي إعادة تعيين بعض المتقاعدين في المناصب السياسية و رئاسة المجالس الإدارية للمؤسسات العمومية و الإدارات .
نحن البلد الوحيد في المنطقة الذي رفع شعار إصلاح قطاعي التعليم عبر المدرسة الجمهورية الحاضنة للجميع و الصحة العمومية ضمن إصلاحات جوهرية كبيرة ،
إلا أنه في الوقت ذاته نجد كبار الموظفين و المسؤولين و مختلف النخب الوطنية تسجل أبناءها في المدارس الخصوصية الأجنبية ،
كما أن الأطباء أيضا و غيرهم من موظفي و مسؤولي هذا البلد نجدهم في أبسط الحالات المرضية يتعالجون و يعالجون أسرهم و عوائلهم في أكبر المستشفيات خارج البلاد .
كيف إذن يصدق المواطن المطحون جدية الإصلاح ؟
نحن من بين البلدان التي تمتلك إدارة فعالة و حديثة لكنها لا تخضع للمعايير القانونية العادلة و المنصفة فمعظم إداراتنا تعتمد الإرتجالية في التسيير و المحاباة و الزبونية دون مراعاة الكفاءة أو الخبرة أو الأقدمية في التوظيف أو التعيينات أو الترقيات ..
نحن بالطبع من بين البلدان التي تتوفر علي ترسانة و منظومة قانونية حديثة و متطورة ، لكن النصوص لدينا ليست هي المرجع .
نحن بلد من أغني دول المنطقة بالثروات السمكية و المعدنية و كثرة و تنوع الثروة الحيوانية و إتساع المساحات الصالحة للزراعة لديه .
في حين لا تنعكس هذه الثروات الهائلة و المقدرات الإقتصادية الكبيرة علي حياة المواطن البائس و المحروم ،
نحن بالمختصر شعب قصير الذاكرة سريع النسيان !
نحن شعب غريب كل شئ فيه يدعو إلي الإستغراب ، حيث
من الغريب أن يشعر المرء الغربة في وطنه
بينما كان من الطبيعي أن يستشعر وجوده فيه ،
فكما قال نجيب محفوظ : أشد انواع الغربة هو ما تشعر به في وطنك ! .
نحن مجتمع مبني علي كل التناقضات في انتظار مآلات نجاحات مأمورية شباب شعارها الأول و تحديها الأبرز هو محاربة و مواجهة الفساد في كل تجلياته و تمكين الشباب و خلق تنمية مستدامة إنطلاقا من إنزال و إسقاط مقاصد البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
طموحي للوطن علي أرض الواقع .
و ما ستفرزه زيارة البعثات الوزارية المتواصلة داخل ولايات الوطن من نتائج إيجابية في ضوء المنتديات الجهوية للتخطيط التنموي التشاركي التي أشرفت عليها وسط حضور واسع شمل السلطات الإدارية و المنتخبين و ممثلي هيئات الشباب و النساء و الساكنة المحلية و المجتمع المدني…..الخ
بغية تحديد الأولويات في مجال التنمية .
ما نراه اليوم من تناقض و تبريرات في المواقف و الإتجاهات الفكرية و العقائدية مرده التشدد بالطبع و التنطع.
يرجع إلى تفكك القيم و تسيب السلوك و إنحلال الخلق بكافة أنواعه .
ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضي هو إصلاح شامل قائم علي التعليم و الإلتزام بالثوابت الدينية و الوطنية و القيم المجتمعية .
خاصة أن التناقض لدينا أضحي صفة مميزة لمجتمعنا .
في وقت أصبح فيه الهدم أسهل من البنيان ،
إن الحياة تدور بشكل دائري فإذا انهارت الأخلاق و القيم المجتمعية انهار بالضرورة كل شئ .
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .