أخبار موريتانياالأخبار
غزواني يدعو من شنقيط إلى “هبة وطنية جامعة قوية، لتغيير العقليات السلبية” (نص الخطاب)
خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في افتتاح النسخة الـ 13 من مهرجان مدائن التراث في مدينة شنقيط:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه الكريم،
– السيد زعيم مؤسسة المعارضة،
– السادة رؤساء المؤسسات الدستورية،
– السيدات والسادة الوزراء،
– السيدة المديرة العامة للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو،
– السيد الوالي،
– السيد رئيس المجلس الجهوي،
– السيدات والسادة النواب،
– السادة العمد،
– السيدات والسادة أعضاء السلك الدبلوماسي،
– السيدات والسادة رؤساء الأحزاب السياسية،
– السيدات والسادة ضيوف مهرجان مدائن التراث،
– السيدات والسادة المدعوون،
– أيها الجمع الكريم،
يطيب لي أن أعبر لكم، سكان مدينة شنقيط عن سعادتي بمشاركتكم اليوم فعاليات النسخة الثالثة عشرة من مهرجان مدائن التراث، شاكرا لكم حسن استقبالكم وكرم ضيافتكم، كما أود الترحيب بكل ضيوف المهرجان الوافدين من داخل الوطن ومن خارجه، مقدرا حق التقدير ماتكلفوه في سبيل مشاركتنا الاحتفاء بإحدى جواهر مدائننا التاريخية والتراث العالمي عموما، مدينة شنقيط، منارة العلم الشامخة، التي اتسمت لحقب مديدة بمركزيتها في التبادلات التجارية بين جنوب الصحراء وشمالها، وبإشعاعها الثقافي وصيت علمائها الذين أثروا بنحو متميز كل أقسام دائرة المعارف الإسلامية حتى صارت النسبة إليها في قوة النعت بالفضل والتبحر في العلم، واسمها علما لبلادنا قرونا قبل قيام دولتنا الحديثة.
– أيها السادة والسيدات،
في نوفمبر من سنة 2019 ومن مدينتكم هذه، تعهدت بأن يصير هذا المهرجان مهرجانا إنمائيا بقدر ماهو مهرجان ثقافي، وعملا على الوفاء بهذا الالتزام عبأنا لنسخ المهرجان الماضية مايربو على ستة عشر مليار أوقية قديمة لصالح مختلف جوانب التنمية في مدائننا التراثية بما فيها جوَل، وتستفيد مدينة شنقيط من أربعة مليارات خصصت لتعزيز الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وطرق وصحة وتعليم واتصالات، فضلا عن دعم المساجد والمحاظر والحرفيين ودور المخطوطات ودعم الشباب والنساء والصناعة التقليدية والسياحة، ينضاف إلى ذلك مايربو على اثني عشر مليار أوقية قديمة خصصت للتشييد الجاري لطريق أطار شنقيط فكا للعزلة عن المدينة، وإنفاذا لما كنا وعدناكم به.
وتأتي هذه المكونة الاقتصادية لتكمل المكونة الثقافية الموجهة الى المحافظة على الكنوز والدرر التراثية التي تعج بها المدينة، مخططات كانت أو عمرانا، فمهرجان مدائن التراث يهدف في المقام الأول إلى ترقية مدننا التاريخية، وكنوزها الفريدة، ومدها بأسباب البقاء والتطور والنماء، لكنه في الوقت ذاته، يهدف إلى تقوية الإحساس لدى مواطنينا عموما بضرورة التمسك بما اتسم به بناة هذه المدائن من قدرة فائقة على الصمود قوامها التضامن والتلاحم، وكذلك من إيمان قوي بالقيم والمعاني الدينية والأخلاقية التي صهرت تنوعنا الثقافي الفريد في هوية حضارية متميزة ووحدة وطنية جامعة.
لقد بذلنا جهودا كبيرة على مدى السنوات المنصرمة في العمل على تقوية هذه الوحدة وتعزيز انسجامنا الاجتماعي والتصحيح التدريجي لميزان العدالة الاجتماعية بالانفتاح السياسي وتقوية المدرسة الجمهورية وركائز دولة القانون وبإصلاح المنظومة الإدارية، غير أننا كنا ومازلنا ندرك جيدا أن أثر كل هذه الجهود سيظل محدودا ما لم يواكبها تحول مجتمعي عميق يفضي إلى تغير جذري في العقليات، ولذا أعلنا الحرب على العقليات المضرة بلحمتنا الاجتماعية والمنافية لقيمنا الدينية ومقتضيات مفهوم الدولة الحديثة، من قبيل التراتبيات الوهمية والصور النمطية الزائفة والنفس القبلي والشرائحي الهدام، صحيح أن نتائج هذا التوجه ميدانيا لاتزال لحد الآن دون المستوى المأمول والمبتغى، لكنه سيظل بالنسبة لنا توجها استراتيجيا لاتراخي فيه، فلا بد لنا من بناء مجتمع متصالح مع نفسه واثق في مؤسساته، قوي التلاحم وراسخ الوحدة.
و أدعوكم من جديد إلى هبة وطنية جامعة قوية، لنغير العقليات السلبية، ونتخلص من كل النعرات الضيقة، وخطابات الكراهية، ونزعات الإستعلاء تحصينا لشعبنا ذي التاريخ الواحد والمستقبل المشترك.
وإنها لهبة أكثر اليوم إلحاحا بالنظر إلى ما تسرب لمجتمعنا عبر الاستغلال السيء لبعض جوانب العولمة، والثورة الرقمية من مسلكيات منافية لقيمنا، من أبرزها تسخير البعض وسائل التواصل الاجتماعي لبث الفرقة والشحناء بين مختلف مكونات مجتمعنا، وأدعوكم جميعا إعلاميين ومثقفين وقادة رأي ومجتمعا مدنيا ومدرسين وروابط آباء التلاميذ والأسرة المجتمعية عموما إلى المساهمة، كل من موقعه، في تحصين وحدتنا الوطنية ولحمتنا الاجتماعية بالمشاركة الجادة في إحداث التحول المجتمعي المسؤول.
وإنني إذ أعلن على بركة الله افتتاح هذه النسخة الثالثة عشر من مهرجان مدائن التراث لأرجو أن يسهم استحضارنا خلالها ما يزخر به تاريخ هذه المدينة العريقة من معان سامية وقيم بناءة، في تعزيز وحدتنا الوطنية وانسجامنا المجتمعي.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.