في بريد الإستقلال (ح 3) / السيد محمد حماه الله
كثيرا ما وصفنا الحركات الإحتجاجية علي تسلط الرجل الأبيض علي بلدان جنوب الكرة الارضية كما سماها المنذر بألآم العالم المهدي المنجرا بالثورات حاجرين استنطاقنا لتلك الإنفعالات في حراكها الصدامي دون ان نمد أبصارنا بعيدا فيما تستند اليه تلك الانتفاضات التي في غالبها ما كانت إلا رد فعل علي إساءة إستخدام السلطات من قبل المستعمر ( كما يسمي نفسه) الأوروبي او استنكاف استيلاء هرم السلطة من قبل من هم ليسو من سحنة البلد المنتفض
لكن لم تكن هنالك ثورة بالمعني الفخم الذي تحتويه هذه المفردة من رفض ﻷشكال الاستبداد والتبعية في كل تمظهراتها ابتداءا من الاشخاص وليس انتهاءا بالنظم والقيم والاعراف وما يلحقها من انماط اجتماع وانفعال من ظرفيات الزمان المتلاحقة
الثورة بهذا المفهوم نادرة الحدوث في عوالمنا التي ما زالت تستجدي موطئ قدم في عالم اليوم المتسارع نحو تآكل الحدود الثقافية وذوبانها في بوتقة اﻷمركة بعد ان لبثت احقابا تنشد ود اﻷوربة
الثورات التحررية لا تعدو سوي عنهجية رفضت الابيض لكنها لم تبرح تقتات من نظمه وتستجدي ود تجربته خلاصا لمستقبل يبشر بقفزة تعبر بهم بعيدا حيث اوربا يعاد انتاجها محليا
ثوراتنا منتحنا استقلالا منقوصا كنا مستعمرين من قبل اوربا كرها والان مستعبدين لها بملكنا وطوع ارادتنا
استغلال الابدان هين ﻷنه سيأتي يوم ويعي المستغل وينازع من اجل حقه اما التنكر للذات والهروب منها كمن يستعر من ماضيه او ذويه لهو وأد ﻹنسانيتنا وخيانة لمن حملونا امانة المضي قدما بإرث عظماء لهم قدم سبق في مسيرة الانسان
ثورات صرفت النظر عن قضية النضال الاساسية والهت الجهود عن محك التحدي الحقيقي فالصراع ليس صراع جيوش او دبابات ولا من يتمكن من تسيد الاخرين وانما صراع حضارة وقيم وتاريخ ووجدان تشكل وفقا لتراكم الخبرات الانسان وثقلها
الثورة الجزائرية حركة الرفض الوحيدة التي يمكن وصفها بأنها ثورة أمة تحمل حضارة وإرث تنافح من اجله ولطالما رسخت بين جوانحي تلك العبارة الخالدة التي ألجم بها الزعيم الخالد اﻷب الروحي للثورة الجزائرية وأحد أواخر المرابطين علي ثغور الهوية العربية اﻹسلامية احمد بن بله في رده علي صنيعة فرنسا الحبيب بو رقيبة حين اشار عليه بتوجه صوب اوربا بعد طرد جندها من تراب المغرب العربي فلم يكن من الثائر الذي ينافح عن هوية شعبه ووجوده بين اﻷمم بحضارته وتاريخه الا ان عاجله بمقولته الخالدة :
انا عربي
المصدر : صحيفة الصدى الورقية