الأخبارالصدى الثقافيمقالات و تحليلات

قراءة فكرية لإشكالية الدين والدولة من منظور محمد عابد الجابري (ح-5) / السيد محمد حماه الله

السيد محمد حماه الله

في الحلقات السابقة استعرضنا المحددات الخمس التي أطر عليها الجابري فكرته عن تصور الإسلام للدولة وما يتعلق بها من نظريات تحكم وتنظم أشكال الاشتغال فيها ما بين رؤى النظريات السياسية المقابلة والتي انتهى فيها الجابري الى أن مضمون العلاقة بين الدين والدولة لم يكن من بين المفكر فيه في العهد الأول للإسلام بإعتبار ما كانت تمثله من بداهة في مجتمع شكل أساسا على الدين وقام مخياله ولا وعيه الجمعي على دعوة دينية لكن ما كان يثير الاهتمام ويشحذ التفكير هو كيفية إستمداد الشرعية الدينية للواقع السياسي بمعنى أن الحكومة كان ولابد لها أن تمتاز بشئ من الشرعية الدينية حتى تكون خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم
لذا كانت (الإمامة) هي محك النظر العقلي الذي استهض العقل المسلم في بواكيره فأول ما كان التفكير فيه من بين كل إشكاليات الإجتماع في الإسلام كانت الإمامة
كيفية خلافة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته
وما هي معايير هذه الخلافة
معايير الخليفة نفسه (الإمام) ومعايير خلافته كيفية ممارسته السلطة وحدودها
ولفهم كيف كانت نظرية الخلافة في الدولة انتهى الجابري الى حصر وجهات النظر الكلامية والفقهية المتعلقة بالإمامة كموضوع في ثلاثة مواقف :
الموقف الأول : يرى الإمامة وإقامة الدولة فرض من فروض الدين بل ركن من أركانه يقوم مقام شهادة التوحيد والصلاة وقد عينها النبي ونص عليها ولاية عنه الى يوم الساعة ولا يجوز للنبي ولا يتصور عنه إلا أن يعين الإمام ويفصل في الإمامة وهو موقف الشيعة بكل طوائفهم الذين يقولون بالنص والتعيين ويجعلون الإمامة ركنا سادسا من أركان الإسلام
الموقف الثاني : لا يرى أصحابه وجوب إقامة الدولة من الأساس
لا وجوب إقامتها ولا وجوب تركها بل هي من بين المصالح المتعلقة بغيرها إذ يرى أصحاب هذا القول الذي صاغه بعض منظري المعتزلة الكبار كالأصم ان الإمامة ليست أصيلة بمعنى انها ليست مطلوبة لذاتها وإنما منوطة بتحقيق الأحكام وعصمة الدماء والحرمات فإذا قام الناس بأنفسهم بما عليهم وكفو عما حرم عليهم فما لهم حاجة في إمام
وهذا الموقف على طوباويته الحالمة والغارقة في المثالية بإفتراضه مدينة مثل فاضلة لملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وعلى استحالة تحقق هذه المدينة الفاضلة على هذا العالم إلا أن هذا الموقف يعتبر الى حد ما الموقف الموضوعي الذي يؤسس الإمامة على واجبات وحقوق بمعنى انها متغير تابع في معادلة المجتمع يتغير شكلها وفقا لما تقتضيه الحقوق والواجبات التي هي الأصل الذي يطلب في كل الأحوال وعلى الإمامة أن تتكيف تبعا له لا العكس
الموقف الثالث : عموم المسلمين من اهل السنة والمعتزلة والخوارج والمرجئة الذين يجمعهم القول بأن الإمامة واجبة من جهة أصلها وتكون بالاختيار من جهة سريانها وفعاليتها
فلابد للناس من إمام يعمل في إمرته المؤمن. ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الأجل. ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل.
ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر
فلا يعقل أن تقوم الجماعة بغير قيادة ومرجع
والإمام مختار وفق محددات شرعية حددها القرآن والسنة واستخلصت من التجربة التاريخية للإسلام كما في العهد الأول الذي شهد ثراءا وتنوعا في إجراءات نصب الإمام مما يضمن قيام الشورى وحفظ حق الجماعة في اختبار إمامها
وإذا كان موضوع العلاقة بين الدين والدولة يعاني من عدم وجود نصوص قطعية من الكتاب والسنة ” كما يدعي الجابري” فإن هناك حقيقة لا يمكن الجدال حولها وهي أن الإسلام عقيدة وشريعة فإذا كانت العقيدة تختص بالإيمان وما يتعلق به من يقين يكون بين العبد وربه في علاقة رأسية مباشرة فإن الشريعة تتضمن فضلا عن العبادات التي هي نفسها من معادلة الإيمان فإن هنالك أحكاما ذات طبيعة اجتماعية (بما فيها كثير من العبادات) تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض بما لابد فيه من سلطة تنفذ الأحكام كالحدود والعقوبات فضلا عن واجب الدفاع عن الجماعة المسلمة وحوزة الإسلام وثغوره مما يدخل في إطار الجهاد الذي هو فرض ديني على اختلاف الفقهاء في نوعية هذا الفرض ما بين الكفاية والعين وهو في كلتا الحالتين لابد فيه من قيادة تتولى التجنيد والتجهيز ورسم الخطط
ويمكن القول أن الدولة في الإسلام إنما نشأت زمن الرسول وتوطدت واتسعت زمن الخلفاء من خلال الأحكام الشرعية من جهة والجهاد والفتح من جهة أخرى
ويتساءل الجابري هنا دون اعتبار حتمية نصب الإمام وإقامة الدولة فإن هناك أحكاما شرعية يحتاج اجراؤها الى سلطة

يتواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى