قراءة فكرية لإشكالية الدين والدولة من منظور محمد عابد الجابري (ح8) / السيد محمد حماه الله
بدلا من العلمانية العقلانية والديموقراطية :
انتهينا في المدارسة السابقة الى أن سؤال العلمانية في سياقنا العربي الإسلامي سؤال مزيف بمعنى أنه بدل من أن يطرح إجابات لإشكالات الواقع العربي يستجلب إشكالات واقع مغاير لتحجب الأنظار عن التحديات الحقيقية التي يعانيها واقعنا وللتخلص من زيف تعميم العلمنة لابد من الفصل التام بين أسئلة الدين والدولة وتحديات النهوض والتقدم
والنظر بالتالي لكل منهما على أنه مشكل مستقل بذاته يخضع لمتغيرات عديدة من بينها ألم يكن على رأسها البناء الإجتماعي ونوع العلاقات الإجتماعية والإقتصادية السائدة وشكل وممارسة السلطة السياسية وطبيعتها
بمعنى أن مسألة الدين والدولة يجب أن تعالج محليا حسب معطيات واقع كل بلد وتحدياته
لذا فإن التحدي الأساسي الذي نواجهه على مستويي الداخل والخارج هو بدلا من العلمانية العقلانية والديموقراطية
بقراءة العلمنة في سياقها التاريخي بإعتبارها مفهوم مستجلب وحتى كمصطلح مترجم ترجمة غير حصيفة ولا أمينة للمفردة الفرنسية (اللايكية) والتي تعني ما ينتمي للشعب وهي (اللايكية) ذات أصل يوناني (لايكوس) العامة مقابل (اكليروس) الكهنوت ورجال المعبد الذين كانو هم رجال الكنيسة في أوربا العصور الوسطى
اللايكي كل من لا ينتمي للمعبد أو الكنيسة وأيضا نجد هذا المعنى في الترجمة الحرفية ل(Secularism) التي تعني مجتمعي أو ما ينتمي للمجتمع أو العامة
فالمفهوم الذي ترجم بالعلمانية أساسا ليس له علاقة بالعلم وإنما الشعب ثم حصل شطط في الفرنسية وجوز بدلالة المفردة لتعني العداء للدين ورجاله وبما أن تعليم الدين كان إختصاص الكنيسة وكان يتم في الأديرة فإن التعليم العمومي الذي أقامته الدولة والذي كان مقتصرا على العلوم الرياضية والطبيعية والإنسانية
مما يقودنا الى اللايكية التي ترجمت بالعلمانية لم تكن تعنى بالعلم وإنما بكل ما هو خارج إختصاص الكنيسة في وضعية المجتمع الأوروبي (فرنسا _ المانيا _ إنجلترا) الذي كانت تتولى فيه الكنيسة السلطة الروحية
المجتمع الذي يكون فيه الدين لا مبنيا على علاقة مباشرة بين الإنسان والله بل على علاقة تمر عبر رجل الدين
وهذه رؤية غريبة تماما عن الدين الإسلامي فالدين عندنا قائم على المباشرة بين الفرد والله وليس فيه سلطة روحية من إختصاص جهة أيا كانت وسلطة دنيوية زمنية من إختصاص جهة مغايرة حتى تتوافقا أو تتصارعا ليكون الحل تحييد إحداهما عن الأخرى (كما في التجربة العلمانية)
وبإختصار فإن طرح اللايكية (العلمانية) في مجتمع يدين أصلا بالإسلام طرح غير مبرر وغير مشروع ولا معنى له
لذلك يرى مولانا الجابري أنه من الواجب إستبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي الإسلامي وتعويضه بشعاري (مفهومي)
الديموقراطية
العقلانية
فهما اللذان يعبران تعبيرا مطابقا عن حاجات المجتمع العربي الإسلامي
الديموقراطية لحفظ الحقوق ،حقوق الأفراد وحقوق الجماعات
العقلانية الصدور في الممارسة السياسية عن العقل ومعاييره المنطقية والأخلاقية وليس عن الهوى والتعصب
والأهم أن لا الديموقراطية ولا العقلانية تعنيان في كلياتهما ولا جزئياتهما إستبعاد الإسلام
لأننا حين نأخذ بالمعطيات الموضوعية نصل الى أنه إذا كان العرب جسد فإن روح هذا الجسد هي الإسلام