كيف يدعي المفسدون؟ / الولي سيدي هيبه
إنه لمن رابع المستحيلات أن تخفي خبير آثارَ ضعف الإدارة و سوء التسيير في جل المرافق العمومية. و لا يخفى عليهم كذلك أن معظم القيمين على هذه المرافق – التي تقوم على جملتها الدولة و يعول المواطنيون – تأتي بهم رغما عن أي منطق أو إرادة مهما كانت صروفُ سياسة تلبس كل ثوب مناف لأصولها و أهدافها من قبلية و إثنية غشيمتين و جهوية مرفوضة و أيديولوجية متجاوزة
كيف للذين يرون الفضل لأنفسهم دون العالمين و يدعون أن محتدهم كريم و أصلهم نقي و فروسيتهم و معرفتهم و قيمهم و أخلاقهم المنظومة شعرا غاويا
و المنثورة لآلئ و مضرب الأمثال و مدعاة للمحاكاة و الاقتباس و الإتباع، أن يختلسوا “المال العام” من دون أن تهتز لضمائرهم شعرة من الخجل، و أن يظلموا نهارا جهارا بـ:
- الوساطة التي تفرض واقعا من الحيف مختلقا،
- و الوساطة التي تزدري معايير و أصول التوظيف و الترقية،
- و الزبونية و المحسوبية و الرشوة التي تشكل خلطا مدمرا لأوراق التسيير العقلاني و إضعافا لمعيار التنمية المنشودة،
من دون أن يمنعهم وازع أخلاقي أو ينهيهم وازع ديني أو يلومهم حي يقظ و يردهم دافع وطني؟ ثم كيف لهؤلاء أن يقبلوا لِسمو ما يدعون من القيم الفاضلة و المثل العليا أن يستخدموا بكل جرأة سلاح “النفاق” الساحق و هم يعلمون، و من دون كذلك أن تقشعر أبدانهم يتقلبون كالحرباء كلما تراءت لهم في الأفق فرص النهب و الفساد، و ينحنون مطأطئي الرؤوس حتى يُربت عليها كالكلاب فيحركوا الذنب و يلعقوا الأيدي ليمضوا بعدها إلى مربعات الفساد و الاستكبار كأن لم يدنسوا أعراضهم الزائفة المدعاة. و أما “الزنماء” و هم كثر ـ نتيجة التناقض الشديد في واقع البلد بين المدعى من العمل بالدين لفظا و المتبع من الأهواء بإسراف عملا ـ فعذرهم مقبول إلى الفساد و التخريب لإنهم أدعياء لا قوم لهم إلا بما يملكون من المال و لا بلد يحرصون عليه أو يبنون له على علو موقعا متفردا.
لا معارضة تفزع و لا أغلبية تقنع
إنها الحقيقة التي تَدمغ كل جبين نأى عن نخاسة المكر السياسوي و الولاء النفعي المرحلي، و تُعري حقيقةَ أن السياسة لم تمارس في هذا البلاد منذ حلت بعد “السيبة” القاهرة على أيدي المستعمر الفرنسي كضرورة من ضرورات بناء الثقة بين الذين يسوقون أنفسهم للريادة و القيادة و بين جمهور العامة المتعطش إلى الفتوحات العمرانية و نشر العدالة و ترسيخ المساواة و غرس قيم الجمهورية و الحفاظ على التوازنات الاجتماعية الخالية من الشوائب و التنموية بخيرات البلد الكثيرة. و يترجم خور و غياب الخطاب الذي يبرر الوجود لدى المعارضة الراديكالية أو الغير محاورة كما يحلو للبعض تسميتها دعمَا لوجود المعارضة المحاورة ـ التي هي أوهن في مجملها من بيت العنكبوت و أطمع من “أشعب” دهره ـ عجزَهما عن التعبير عن ذاتيهما المقهورتين و غلبهما السافر. كما يترجم تهافتُ “الأغلبية” المحاورة على قشور صمتها الذي تحسبه دعما و نصرة ـ و ما هو كذلك – غيابا صارخا بانعدام أي دور فعلي لها في كل الأحداث صغيرها و كبيرها على العكس مما تفعله التجمعات القبلية الإقطاعية و الاثنية و الأطماع الشرائحية التي تزاحمها و تنكر على الراديكالية قيامها في المشهد المترهل.
و بهذا العجز السافر عن التعاطي “المترفع” عن بهيمية القوة و سفالة الجشع تدفع “عملية” استقامة الدولة – التي ولدت من لا دولة على أسس و قواعد تقاسمتها السيبة و الاستعمار – على النهج الديمقراطي إلى أفق مسدود و محال مفترض.