الأخبارمقالات و تحليلات

محور فلسطين – لبنان.. هل من مزدجر؟خالد عمر بن ققه

خالد عمر بن ققه / كاتب وصحفي جزائري

لا يؤدّي المقاومون المحرّرون لأوطانهم في كل بقاع العالم ـ سواء أكانوا ثوّرا أو مجاهدين ـ أدورًا على خشبة مسرح الحياة بهدف التأثير في المتفرجين، تسلية ومتعة، وإن سعوا إلى تحريك مشاعرهم نحو وعي بحقائق قضاياهم المصيرية، إنما هم بشر اتّخذوا سبيلهم نحو حياة كريمة لأقوامهم، وأخرى عزيزة لهم، غلبوا فيها الأخروي عن الدنيوي، وهذا يخصّ المقاومين من منطلق ديني.

قد يرى البعض في القول السابق تفاعلًا عاطفيًّا نتيجة حرب الإبادة التي توقدها إسرائيل في فلسطين المحتلة وغزة، وهي في نظرهم حرب غير متكافئة، ولذا علينا التعاطي معها بحذر، من ذلك تفادي تكلفتها المادية والبشرية الباهظة، ويبدو هذا القول في ظاهره دعوة لسلام مُرْتَجى، لكن في باطنة تثبيط ـ مقصود أو غير مقصود ـ يأتي في الغالب من أولئك الذين لا تعني لهم الحرب شيئا، لأنهم بعيدون عنها مكانا وفكرا، لذلك لا يحق لهم تسفيه أعمال المقاومين بحجة أنها ليست اختيارًا جماعيًّا، وأن هناك ضحايا أبرياء لا صلة لهم بما يحدث، ما دام العدو الإسرائيلي هو الذي يفرض علينا الحرب.

 

ومع الاعتراف بأن كل الأعمال البشرية ناقصة، حتى الخيّرة منها، الأمر الذي يجعل من النقاش حولها أمرا مستحبا، وفي بعض الحالات يمثل ضرورة، خاصة حين تتعلق بالحرب، فإن ذلك لا يكون خارج القواعد والضوابط تحكم نظرة الأمة أو الشعب للوجود والحياة، وما يترتب عنها في السلم والحرب، وفي حالتنا الراهنة بخصوص الحرب الدائرة حاليًا في غزة ولبنان، فإن العامل الديني أساسي، ولو تخلى كل المقاومين عن الحرب، وتركوا الساحة لمن يقررون في ظل حرب إبادة من العدو، سنجد أنفسنا ـ المسلمون تحديدا ـ أمام«فرض عين»، نجونا منه حين حولته عناصر المقاومة بجهادها وإقبالها على الحرب إلى«فرض كفاية»، وفي ذلك حماية لنا جميعًا.

 

ما يحدث لنا على الأرض في فلسطين ولبنان، وما يسنده من أطراف أخرى خارج فضاء الحرب، وإن كانت متأثرة بها، فيه من الأنباء ما هو مزدجر بالنسبة للعرب ولإسرائيل وللعالم كله، وليس أمامنا جميعا الآن وفي المستقبل القريب، إلا التجاوب مع نداء الّنذر والحكمة البالغة، بغض النظر على المنتصر المرتقب في الحرب الراهنة، التي هي جولة من بين جولات كثيرة من الحروب قد تطول أو تقصر، ولكنها ستتواصل، حتى لو وضعت في الشهور المقبلة أوزارها، أو بدت لنا كذلك، لأنها تتعلق بالأرض، حيث الصراع بين غزاة تجمعوا بحبل من الناس وأصبحوا أكثر نفوذا، ضمن استراتيجية أخرجتهم من دول الغرب، وبين أصحاب أرض أخرجوا بالقوة منها، واليوم يدفعون ثمن الانتماء إليها.

 

نحن إذًا، وبمنطق الصراع الدولي أمام امتحان عسير، لا يتعلق بحرب تخص الأرض وما فيها وما عليها (المكان، الجغرافيا، المياه، الثروات)، ولا بالبشر من حيث الوجود والكينونة، وإنما بالذهاب بعيدًا في صراع أبدي بين الحق والباطل في سياق بُعد إيماني، وعلى أساسه يستشهد المقاومون، وهم على ثبات في أرض معركة، يقيمون الحجة علينا، خاصة على أولئك الذين سلقوهم اليوم بألسنة حداد في بعض الفضائيات والوسائل الإعلامية الأخرى، وفيها يظهر خطاب معادٍ للمقاومة، وقد يكون ما في القلوب أشد.

 

ورغم ذلك كله، فإن صوت الشعوب أعلى رغم التراجع الملحوظ على مستوى الخطاب الرسمي لأسباب كثيرة، منها: تجنب الحرب لأن ميزان القوة ليس لصالحنا، الأمر الذي لا يعترف بها المقاومون، ولا حتى العامة من الشعوب، وهذا يصعِّب ليس فقط من إعطاء إجابات مقنعة للأسئلة ألكبرى الخاصة بالحرب الدائرة، وإنما أيضا من النهايات التي ستؤول إليها الدولة الوطنية في آخر مرحلة من عمرها الافتراضي، حيث إنها ستكون ـ قريبا ـ بدون قضية، حتى لو أَلْهَتْها وحكامها القضايا الداخلية، لأنها ليست بمعزل عن قضايا الأمة، وبوجه خاص القضية الفلسطينية.
المصدر : الكاتب+ المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى