من أظلم ممن يكبح دوافع البناء؟/الولي سيدي هيبه
و من أظلم لبلد من أطر و موظفين لا يُفعِّلون بقدراتهم و شهاداتهم الإدارة التي أوكل إليهم تسيير مهامها و تقريبها من مواطنيهم و قد فضلوا أن يُشِيعوا فيها الرشوة و المحسوبية و الزبونية و الانتقائية و الوساطة بأسلحة القبلية و الإثنية و الطبقية و العصاباتية السلبية… و من أظلم من قيمين على بنى نظام مروري طرقي تحتية و فوقية ضرورية من كباري و أنفاق و حواجز فصل بين ممرات الحافلات و الناقلات و التاكسي و السيارات الخصوصية و العربات و الثلاثيات الإطارات، يفضلون على الأداء الوطني التسلي بعرابين التسيير المدار بأساليب التحايل المرضي المزمن، المحاط و المحمي بعناية النظام المجتمعي – الذي بات أكثر سلبية من أي وقت مضى – عن ضروري هذه البنى الطرقية لانسيابية لفائدة حركة الاقتصاد و حيوية الأعمال و عن تشجيع التصنيع المحلي و ربط أجزاء المدن ببعضها من جهة و بالنسيج العام على خارطة الوطن من جهة أخرى.. و من أظلم من “مربين” غير صارمين في إعداد منظومة تربوية تستجيب لمطلبات الدراسة المتوازنة التي تستطيع وحدها أن تعد شعبا طيب الأعراق، وطني المزاج و عالي الهمة.. و من أظلم من سياسيين لا يملكون برامج، لا يتمتعون بخطاب، و لا هم إلا أن يجنوا المال لرفاههم و يسعوا إلى السلطة غاية.. و من أظلم من كل هؤلاء و كل الذين يشبهونهم في جميع القطاعات التي يضيق المقام عن ذكرها و إن في اتساع دائم للإضرار ببلد لا يؤمنون به و لا يعبؤون… و من أظلم من شعب يرى و لا يتصدى لثلة من أفراده و هي تدمر كيان بلده بالتهافت على الوظائف من أجل الوصول إلى المال العام دون جهد يبرر المكاسب التي تجنون بالتموقع السياسي و الحضور القبلي و الإثني و الطبقي المبتذل؛ الحضور القسري الذي يوفر مظلة الحماية المضمون لهؤلاء الجناة من خلال تمالئ توافقي مُعطِّل لحراك البلد و مقيض لأي مجهود يبذل.
للصحافة بقايا من بقاياه
و كأن بعض الصحافة بطلاء السخافة قد نشأ من لا شيء و لا مكان ليقبض من صندوق دعم الصحافة كيس معونة مُحتواه بقايا الخصم من جملته، كي يواصل السير على درب تمييع المهنة و إرباك الرأي العام مع سبق إصرار التجهيل. و لكن المحير أن هذا الأمر الذي يشوه مهنة نبيلة في الأصل و في المبتغى لا يلقى استهجانا و لا ينأى أو ينفيه عن نفسه أو مؤسسته أحد و قد خفت بعض الأصوات في محفل الصحافة التي ظلت تبدي إلى غاية فتح ملفات الصندوق من الالتزام و المهنية المحايدة لتصطف إلى الصوت المحتقن الذي يسبق إيداع المبالغ الزهيدة جملة .. باستثناء من أتي اللجنة بقلب خنوع.
سبق الإصرار و الترصد
نعم إنه تعامل الغالبية منا بنبرة واحدة مع أشياء الحياة في ظاهرها بصفات الاهتمام و الاحتفاء و التفاعل التي سرعان ما ينقشع دثارها كوميض برق يُعجز السحب، و في باطنها بالازدراء و التجاوز اللذان تعريهما بعد حين أمراض القلوب و إن التحفوا لها قشيب التحايل و مبتذل التقمص و مكشوف الإخفاء. فكم وضيع هالك شكله المشذب بالسندس من الثياب و أسرك صوته العندليبي الشجي و أسكرتك لغته الطافحة بمختار الأفعال و مصطفى المصطلحات حتى إذا ما مُكن له من مغدق رزق أو وظيفة أو جاه زائف نهق كالحمار و رفس كالبغل من بعد الشبع و اعتلى صهوة الكبر و الزندقة. و إن هؤلاء الذين غصت بهم دهاليز الإدارة و كواليس القطاعات و مصالح المؤسسات العمومية ليشترون و يبيعون في غفلة جاهلة و حل من علو النفس في سوق نخاسة القيم و الأخلاق كلَّ أصناف البضاعة المزجاة من صفات الغدر و التلون و التكالب على فتاة موائد الأقوياء. و إن الأمر بهذا لشبيه بدبيب النفاق في نسيج المسطرة التعاملية عن سبق إصرار و ترصد.
عندما تبيع المدن القديمة كرم الضيافة
حقيقة مرة قد تنغص على الأجداد مستقر القبور فيعتبون على بيع أنجالهم “كرم الضيافة” بعرض زائل من المال لا يسمن و لا يغني أهل البيوتات المستقبلة لجمهور القادمين. و قد يسيئهم أن غزير علمهم الذي سطرواه بحبر الصمغ و الفحم على الورق النادر و رق الغزال و مصنوع الورق من القماش و المتاح أصبح يعرض كزخرفة من الماضي يمر عليها الناظر فيحسب عمرها ترفا ذهنيا و لا يقرأ أو يحقق أو ينوي نشر محتواها. و قطعا سيسيئهم أن تاريخ “جهاد” أجهادهم الذي كان أقله أن يهاجروا عن الأرض بعدما وطئها المستعمرُ هربا من الاحتكاك مُشوه بالملاحم الخرافية و مزيد بمزيف الأبطال الوهميين، و أن ترميم مساجدهم و بيوتهم لا يجري بالمواد التي كانوا يستخدمونها أو حتى بما يشبهها منعا لتشويه الأصالة و إنما بالاسمنت الذي غير الملامح و محا بصمة الماضي و غيب رائحته الذكية.