الأخبارالرأي

من ولاية لعصابه : تصل براحة رئيس الجمهورية

رأي:

سيدي الرئيس ، بلغنا في ولاية لعصابه من مصادر غير رسمية ، أنكم ستقومون إن شاء الله بزيارتنا على غرار ما قمتم به لمختلف ولايات الوطن ، و نعقد كثير الآمال على هذه الزيارة ، التي نرجو ان يتم إقرارها قريبا ، و ذالك لأن الأوضاع المتردية التي يعيشها سكان هذه الولاية على كل الأصعدة ، جعلت وقوفكم عليها شخصيا ، أمرا مُلحًا و مَطْلبا مُجْمَعا عليه .

سيدي الرئيس ، إنني كمواطن من ولاية لعصابه ، و من مدينة كيفه بالخصوص ، احرص كل الحرص على أن أوجه إليكم رسالتي هذه لكشف بعض الحقائق و طرح بعض المشاكل و توجيه بعض الملتمسات ، و كُلِّي ثِقة و أمَلٌ بأن هذا الخطاب سيحظى لديكم بما يستحقه من عناية و اهتمام.

سيدي الرئيس — إنني و أنا المتعود على ما يسبق هذا النوع من الزيارات : من أبواق دعاية للأنظمة ، و حناجر للمغالطات ، و ترديد أناشيد ببغاوات الفساد ، و فيح لهيب فوهات تنانير التزلف ، التي تلفظ حِممها نارا ملتهبة تفوح بانْتَنِ انواع الكذب و التضليل — يصعب علي و أنا في سباق مع هؤلاء حتى لا يضللونكم هذه المرة على الأقل أن أرتب أولوياتي و انتقي عباراتي ، و ألتمس منكم العذر في ذالك.

سيدي الرئيس إن ما صاحب زياراتكم الأخيرة داخل الوطن ، من ظهور لهؤلاء الحربائيين و بأساليب مبتكرة جديدة من التزلف و النفاق و التطبيل ، جعلنا لا نطمئن على مخرجات هذه الزيارات ، خصوصا بعد تحكمهم في جميع محطاتها ليطبعوها بأوقح الأساليب البائدة، من حشد قبلي ، و تنقل جماعي لكافة من يسموهم ب ” الأطر و الفاعلين و الوجهاء ” من مختلف موظفي قطاعات الدولة حتى العسكر ، لتتعطل جميع خدمات المواطنين المرتبطة بمرافق هؤلاء الذين تفرغوا للمشاركة في سباق محموم ، في مبادرات لاستقبالكم انفقوا فيها المال العمومي بسخاء و دون حساب ، و يعملون على تضليلكم بكل انواع الخطاب ، يصاحبهم في ذالك الإعلام الرسمي و شبه الرسمي المسموع منه و المرئي ، ليتشارك الجميع في رسم لوحة رخاء مزيف بأبهى الألوان ، مستخفين بمشاعر شعب مسالم ، بالتمثيل بواقع يوميات حياته و قَلْبِ الحقائق المرتبطة بها من بؤس و شقاء مدقعين ، إلى نعيم مزيف و رخاء مفقود ، بعد ان اوهموه أن السراب نهر جار ، و أن البلاد تحولت إلى جنات ، عدن الخلود فيها مضمون.

سيدي الرئيس ، إننا في ولاية لعصابه و استباقا لزيارتكم المرتقبة ، نطالبكم بإصدار تعليماتكم السامية إلى هؤلاء بالبقاء في أماكن عملهم ليبقى — على الأقل — أهلنا في لعصابه ينعمون في ظل زيارتكم بسلمهم الأهلي ، و تعايشهم و تآلفهم الذي عَهِدوه بعيدا عن ما سيحييه حضور هؤلاء من تجييش ، و اصطفاف و إحياء لجميع النعرات ، و ان تمنعوا الإعلام بجميع اصنافه من مواكبتكم ، و إن كان لابد من حضوره ، ان تلزموه بأن يميز بين تغطية زيارات العمل و الإتصال بالمواطنين للإطلاع على أحوالهم و زيارات الحملات الدعائية في المواسم الإنتخابية.

سيدي الرئيس ، تعتبر ولاية لعصابه من أهم الجيوب الرعوية في البلاد ، و إليها يلجأ الجميع في أوقات الشدة ، و ذالك لشساعة مراعيها ، و انفتاحها على المتنفس الجنوبي الخصب في جمهورية مالي ،
و نظرا لقلة معدل التساقطات المطرية هذه السنة و ما يترتب على ذالك من انحسار في المراعي ، و نظرا لما تعيشه الجارة مالي من أوضاع مضطربة ، فإن الوضع الرعوي في الولاية يتطلب تدخلا خاصا لحماية هذه المراعي من الحرائق ، و حفر نقاط مياه بجميع مناطق الإنتجاع ، و توفير الأمن للمنمين و مواشيهم.

سيدي الرئيس إن الوضع الغذائي بالولاية يتطلب هو الآخر تدخلا خاصا ، حيث المجاعة تهدد بعض الجيوب بها ، خصوصا منها تلك التي لا يعتمد ساكنتها على أي نشاط ، و لا تصلهم أي مساعدات ، و يُعزز هذه الوضعية هشاشةً ، تفشي البطالة و غلاء المعيشة و ارتفاع الأسعار و ضعف القوة الشرائية لدى الجميع.

إن مشكل مياه الشرب بولاية لعصابه يظل مطروحا و بإلحاح ، حيث تنعدم شبكات المياه في الكثير من النواحي ، و يتعطل الكثير منها لإهمال أعمال الصيانة ، و تنضب مصادر المتبقي منها نتيجة عدم دراسة جدوائية إقامته أصلا.

هذا عن وضعية الماء في الولاية عموما ، أما عن مدينة كيفه فوضعية العطش بها لا يمكن وصفها بأقل من الكارثية ، فمنسوب إنتاج الآبار المغذية لشبكة المدينة في تراجع دائم ، و لا أمل في الأفق القريب برفعه قبل فترة الذروة في عطش المدينة ، (اشهر : ابريل و مايو و يونيو و يوليو) ، و خصوصا بعد تحول حُلُمِ الربط بمياه النهر إلى حديث من أحاديث الجَدات لتنويم الأطفال الجياع.

سيدي الرئيس ، تعوَّد المواطن في كيفه أن اشهُرَ: (ابريل — مايو — يونيو — يوليو ) هي فصل كامل من العجز في التموين بالكهرباء و تتالي الإنقطاعات ، و كان آخر تصريح للشركة في نفس الفصل من السنة الماضية ، أن عجز إنتاجها بلغ : 40% و لم يبذل أي جهد منذو ذالك الوقت حتى الساعة لتسوية هذه الوضعية ، رغم تزايد الإشتراكات و زيادة الطلب على الكهرباء ، إذا استثنينا وصول مولد كهربائي امضى سنة دون دخوله الخدمة عُزِّزَ لاحقا بإثنين و تعطل الثلاثة بعد فترة قصيرة من دخول الخدمة لينضم لاحقا لمقبرة الخُرْدَة أحد المولدات الرئيسية القديمة ، الأمر الذي فاقم العجز و زاد فترة الإنقطاعات المتكررة لتصل مدة الأسبوع في بعض الأحياء.

وفرت هذه الوضعية المزرية للكهرباء للشركة فرصة للإمعان في إحتقار المواطن “الكيفاوي” حين اعلنت في بيان رسمي و في ذروة الأزمة أنه تم تجاوزها نهائيا ، معلنة عن تحقيق فائض في الإنتاج قدره 40% و افتتحت مركزا جديدا للجباية و التحصيل.

سيدي الرئيس ، التخطيط العمراني لمدينة كيفه ، و ما أدراك ما هو؟ ذالك الحلم الذي ظل يؤرق كل السكان في المدينة لكونه اكبر عائق أمام تنميتها و الإستثمار بها ، ذالك المخطط الذي اقسم البعض يوما ليس ببعيد على أنه تحقق ، حين زارتنا وزيرة الإسكان بكامل طاقمها ، و ابرزوا في قاعة العرض بفندق البلدية و بالعرض الكبير و أمام جمهور المدينة من مختلف الأطياف ، مخططا مكتمل النقاط فنيًا جاهزَ التمويل ماديًا ، بل و ذهب مدير الإسكان ابعد من ذالك ليبرز مناطق الترحيل و الإيواء و الطرق الإلتفافية و الساحات العمومية ، و غيرها من التفاصيل الدقيقة ، إلتي لا نرجوا أن تكون عُلقت إلى جانب صحيفة بني قريظة.

هذا التخطيط الذي ولد خَدِيجًا ، و لم ير النور بعد صرخة وضعه حيث مات في مهده ، و لم يستفد منه أهل كيفه سوى عمليات هدم لحائط هنا ، و مدخل بيت هناك و إزاحة خزان ماء و ردم مرحاض ، خلفت وراءها أسرا في العراء ، و أكوام حطام مبعثرة ، يخالها الرائي آثار كوارث طبيعية لعدم انتظامها ، و بعثرتها في ما تم رسمه من أزقة و ممرات لم تكتمل بالأحياء التي بدأت بها ، و لم تدخل أحياء أخرى من المدينة حتى الساعة.

هذا في الوقت الذي اختفت فيه مواضيع مهمة وثيقة الإرتباط بالتخطيط ، كتعويض المُرَحَّلِين و تحديد و تأهيل أماكن الإيواء و إظهار الساحات العمومية و الطرق الإلتفافية …إلخ.

سيدي الرئيس ، مدينة كيفه هي ثاني مدينة بعد العاصمة انواكشوط من حيث الكثافة السكانية ، فكيف يمكن تأمينها بمفوضية واحدة للشرطة محدودة الأفراد و الوسائل ، مقابل تفشي انواع الجريمة و تطورها ؟

فلماذا و بعد دمج جهاز أمن الطرق في قطاع الشرطة الوطنية و تعزيز قطاع الأمن العمومي بالعناصر و المعدات ، يتم حرمان كيفه من مفوضية ثانية و ثالثة لسد الفراغ الأمني و التنظيمي الكبير بالمدينة و الذي لاحظه حتى مجانينها و حاولوا ملأه جاعلين من انفسهم شرطة مرور ؟

متى سيتم الربط بالتيار الكهربائي بين مختلف الحواضر و القرى الكبيرة بالولاية و الواقعة على المحاور الطرقية الرئيسية ؟

متى سيتم تفعيل قرار نزع المحميات الرعوية الإقطاعية التي أصبحت تغزو مشارف المدن و تقام على نقاط المياه في الأودية و المستنقعات ؟

كيف سيتمكن المواطن في لعصابه من إقتفاء أثر تمويلات عشرات المشاريع الموجهة إليه و التي لم ير منها سوى لافتاتها التعريفية على مشارف المدن و مقراتها المهجورة ؟

أين هي صناديق القرض الرعوي و الفلاحي التي يمكن أن يستفيد منها مواطنوا لعصابه ؟

ماذا عن إستصلاح أمسيلت كيفه و هل تم التفكير جديا في مشاريع من هذا القبيل ؟

متى سيتم حصر و إبراز ما تزخر به الولاية من مُقَدرات ثقافية و سياحية لتحتل مكانتها اللائقة بها في هذا المجال ؟

لماذا لا يتم وضع اليد على المتبقي من أملاك الدولة العقارية بكيفه ، بعد أن استحوذ الخواص على اكبرها قيمة ، و ذالك لإستخدامها لإيواء مرافق الدولة التي يوجد أكثر مصالحها في مقرات مؤجرة ؟

متى ستُعطَى بعض القطاعات طابع الجِدِّية في مزاولة أعمالها بجعلها في ظروف تمكنها من ذالك من حيث الطاقم و الوسائل ، و متى سيتم التفكير في مراجعة هيكلة مصالح أخرى بعضها متداخل الصلاحيات و الآخر مجهولها ، و متى سينتهي أحتكار تسيير بعض القطاعات و المرافق الحكومية من طرف افراد توَلَّوْها لأكثر من عقد من الزمن ، حتى ظن العامة ملكيتهم لها و شَكُّوا في إمكانية التوريث ؟

متى ستحظى ولاية لعصابه في إطار اللامركزية ببناء جامعة او معهد او مصنع …إلخ ؟

لماذا لا يتم تحويل تجمعات كبرى بولاية لعصابه ، من عواصم بلديات ريفية إلي مقاطعات ، و استحداث بلديات جديدة على غرار ما حصل مؤخرا في بعض الولايات ؟

لماذا لا يتوفر مركز استطباب كيفه على جميع التخصصات المطلوبة ، او على الأقل الأكثر منها حاجة في المنطقة ، كالسكري و الغدد و امراض الصدر و أخصائي التخدير …الخ ، و لماذا لا يقتنع النزر القليل الموجود من هؤلاء بالإقامة بالمدينة رغم تحويلهم رسميا إليها ، حتى أصبح بعضهم يستقبل فحوص مرضاه و صور أشعتهم على الواتساب في انواكشوط ؟

متى سيتم اختفاء بعض الممارسات المميتة في النقل العمومي ، كالخلط بين البشر و الدواب و أكياس السم و المبيدات و السكر و الأرز في مقطورة واحدة على مرأى من افراد سلطة النقل ، و بتغاض من عناصر الشرطة المرافقين لهم ؟

و لن اختم رسالتي هذه فخامة الرئيس قبل أن أبوح لكم بالقليل مما لم و لن يخبروكم به أبدا .

فلن يخبروكم أن السوق في كيفه غارقة بالمواد المنتهية الصلاحية و التي تصل موائد المواطنين يوميا ، كما أن مستودعات تخزين الأدوية بها ممتلئة هي الأخرى بالأدوية الفاسدة نتيجة انتهاء تاريخ الصلاحية و سوء ظروف الحفظ ، و أنه لا تقوم السلطات المحلية حيال هاذين الموضوعين الخطيرين بأكثر من عمليات جمع من حين لآخر لعينات من هذه السموم القاتلة و إتلافها عن طريق الحرق ، مُسَاهِمَةً بدخانها في زيادة التسمم بتلويث هواء المدينة و لو لساعات على الأقل ، هذا في الوقت الذي لا يٌساءل فيه أحد عن حِيازة و توزيع و تسويق هذه المواد ، و كأنها نازلة من السماء .

كما أنهم لن يخبروكم سيدي الرئيس عن أخطاء طبية قاتلة راح ضحيتها العشرات و لم يحاسب أحد .

لن يخبروكم سيدي الرئيس أن سعر مادة اللحم في كيفه هو الأغلى في عموم الوطن ، بل و حتى في شبه المنطقة من الدول المجاورة .

لن يسمحوا لكم سيدي الرئيس بجولة في مدينة كيفه ، لتكتشفوا أنها مكب نفايات تُمَيِّزُ التقعرات و الحفر العميقة و تراكم الأتربة أهم شوارعها الأساسية ، و يَغِيب بها أي دليل يُحيل إلى الصرف الصحي ، و لتجدوا أن سوقها المركزي عبارة عن كومة قش قابلة للإشتعال في كل حين ، أو غابة “سَافَانَا” لا زقاقَ و لا مَمَرَّ فيها إلا للطيور أو الزواحف.

لن يخبروكم سيادة الرئيس أن معظم المصالح و الهيآت و الشركات في كيفه ، تستغل عمالا و موظفين أبرياء تُنْكِر حتى معرفتها بهم فضلا عن علاقتهم الرسمية بها ، ينفذون لها كل الأشغال لأنها ترى فيهم عَمالة رخيصة ، و تتخلى عنهم عند ابسط حادث شُغل أو ارتكاب ابسط خطإ و تضعهم في مواجهة المواطن كلما حضر إليها مُحْتَجًا على بعض تصرفاتهم ، ليبقى هذا الأخير ضحية تدافع المسؤولية بين العامل و الهيئة المُشَغَّلة ، و هذه هي تماما حالُ عمال شِركتَيْ المياه و الكهرباء في كيفه .

و أخيرا سيدي الرئيس لن يخبروكم أن هَدْرًا متعمدا لبعض موارد الدولة ، حصل حين تم اختيار أماكن غير مناسبة لإقامة بعض المنشآت الهامة ، و التي لم و لن تُستَغَلَّ لسوء اختيار موقعا ، كما هو حالُ سوق الحيوان الجديد و دار الصناعة التقليدية و الحَرَف ، و لن يكون المُجَمَّعُ السكني ل “لتآزر” اوفرَ حظا من سابقيْه لوجوده بينهما بنفس المكان .

و طلبنا الأخير لكم سيدي الرئيس هو أن لا تزوروا أي مؤسسة او مرفق عمومي تم اقتراحه لكم و توجيهكم إليه من طرف ابْرُتُكُولِ الزيارة لسبب بسيط هو أن هذا المقر أُعِدّ خِصيصا بمناسبة مَقدَمكم و أُخْرِج في أبهى حلة لتضليلكم عن واقع نظيره في الجهة الأخرى الذي يعكس الواقع الحقيقي لما يعيشه المواطن.

النهاه ولد احمدو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى