مواجهة المستقبل العربي / بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي
لابد من وضع خطة مستقبلية تستوعب كافة الطاقات وتعمل على توظيفها توظيفاً علمياً سليماً
قدم المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي مدخلًا لمناقشة الواقع العربي وحال القيادات السياسية؛ استعدادًا لدخول القرن الواحد والعشرين، وما يمثله من تحديات، في كتاب «ومضات على الطريق».
وفي المقدمة يقول الأستاذ الشرفاء: أخشى أن تقف الأمة العربية حيالها موقفًا يزيد من معاناة أبنائها ويضيف إليها مزيدًا من الكوارث؛ وذلك حينما لا تقوى على مواجهة أعاصير التطور الاقتصادي الذي بدأ يتشكل منذ سنوات عديدة، ممثلًا في كتلٍ سياسية واقتصادية واجتماعية، تدخل بقوة إلى عالم القرن الواحد والعشرين.
مناقشة الواقع العربي الاقتصادي
وفي المجال الاقتصادي قدم هذه المقترحات:
إنشاء بنك عربي رأس ماله لا يقل عن خمسين مليار دولار، على أن تكون مهمته تصحيح الهياكل المالية في الدول العربية وتطوير إمكانياتها الاقتصادية؛ حتى تستطيع الخروج من الكبوة الاقتصادية، وكذلك وضع خطة خمسية -تأخذ في الحسبان الدول التي لديها إمكانات وثروات يمكن استثمارها لتحقيق مردود اقتصادي- لفترة لا تزيد عن خمس سنوات واتباعها بكل دقة؛ على أن يكون أداء البنك وسياسته التنفيذية معتمدين على الدراسات الاقتصادية؛ حتى يستطيع البنك معالجة الخلل المالي تباعاً في الدول العربية.
نتائج التعاون العربي الاقتصادي
وهو الأمر الذي يعني أن الأمة العربية إذا استطاعت أن تضع الآليات العلمية العامة، وتسخر فوائضها المالية في خدمة الاقتصاد العربي؛ فإنه سيتحقق لها ما يأتي:
- ستكون الاستثمارات العربية في مأمن من التجميد أو المصادرة، أو التلاعب؛ كما حدث في أمثلة كثيرة الكل يعلمها؛ عندما قامت الولايات المتحدة بتجميد أرصدة الجمهورية الليبية.
- المردود المالي على الاستثمار العربي ستكون فوائده مضمونة، وسيفوق كل ما تحصل عليه الاستثمارات العربية في الدول الغربية من فوائد هزيلة، وأحياناً فقدان رأس المال في الاستثمارات الدولية.
- تَمَلُّك الاستثمار العربي مشاريع حقيقية منتجة، وتكون الدول العربية سوقاً لها؛ إذ أن الدول العربية تستورد من الخارج سنوياً ما قيمته أكثر من 65 بليون دولار في مجال الغذاء فحسب، كان من الممكن أن يتم توجيه هذه المبالغ للمنتج العربي؛ فتكون عاملاً مهماً في ازدهار المجتمعات العربية المنتجة.
- سوف تحقق الدول العربية -التي تواجه صعوبات في تسويق مواردها الطبيعية- إفادة عظيمة في تطوير ثرواتها، وتحقيق أهدافها في التنمية، وتوفير فرص العمل؛ وهو الأمر الذي سيساعدها على الاستقرار والنمو، ويمنع عنها الهزات السياسية والانقلابات العسكرية.
مكتب للدراسات الاقتصادية
كما يمكن أن يتم إنشاء مكتب للدراسات الاقتصادية؛ يكون تابعاً للبنك؛ ذلك للقيام بدراسة الأوضاع الاقتصادية، وإعداد خطة لكيفية استغلال الموارد الطبيعية في الدولة التي يتم الموافقة على تقديم الدعم المالي لها. وعلى سبيل المثال فإن جمهورية السودان التي يتوفر فيها مليون فدان؛ فإنها قادرةٌ على أن تمد العالم العربي بالغذاء، وتحقق له الأمن الغذائي.
ويستطيع البنك إعداد مشروع طموح لاستغلال ذلك، ثم يمكن أن تعود على السودان نتائج اقتصادية كفيلة بحل مشاكله المالية، وتوفير فرص للعمل؛ قد تتجاوز عشرات الآلاف؛ وهو الأمر الذي يتيح لأبناء السودان حل مشكلة البطالة، ويحولهم إلى طاقة منتجة. وهكذا يستطيع السودان أن يخرج من مشاكله الاقتصادية، ويعتمد على نفسه. وبالأسلوب نفسه يتوجه البنك لدراسة اقتصاديات دولة أخرى، والنهوض بثرواتها واستغلالها؛ فينتج عن ذلك في غضون خمسة وعشرين عاماً -أو أكثر قليلا- أن تكون الدول العربية قد تعافت من أزماتها الاقتصادية، واستغلت ثرواتها الطبيعية التي تبحث عن التمويل المالي، علاوة على الربح الذي سيتحقق للأموال التي قام باستثمارها البنك.
الواقع العربي والصراع الاقتصادي العالمي
نظراً للتطورات الاقتصادية المتلاحقة في عصرنا الحاضر، وانتهاء الصراعات والمواجهات بين معسكرات القوتين الشرقية والغربية؛ فإن هذه التطورات والتغييرات قد فرضت أسلوباً جديداً في صراع البقاء، ألا وهو ما أسميه (الصراع الاقتصادي) والذي أعده -في رأيي المتواضع- أشرس وأخطر أنواع الصراع في الحاضر والمستقبل؛ لأن هذا الصراع سيكون متمثلاً في صدام قدرات اقتصادية ذات إمكانيات تخطيطية وأساليب تسويقية؛ تعتمد أساساً على نوعية الإنتاج، والسعر المنافس، وسرعة الحركة ومرونتها، والتكِّيف مع متطلبات السوق بكل الأخلاقيات والقيم الجديدة التي تسوده في الوقت الحاضر، وصولاً إلى هدف رئيسي؛ وهو ضخ أكبر كمية من الإنتاج إلى أسواق جديدة.
ذلك الأمر يتطلب تخطيطاً بعيد المدى؛ تشارك فيه جميع الفعاليات الاقتصادية سواء كانت حكومية، أو شبه حكومية، أو القطاع الخاص، بناء على استراتيجية شاملة تستهدف في النهاية زيادة الإنتاج الذي من شأنه إتاحة الفرص لتشغيل أكبر عدد ممكن من أبناء الوطن العربي، ومن ثم يحقق مردودهُ الاستقرار للدولة، ويصبح كل فرد له دورٌ في تسيير عجلة التطور والتنمية.
وضع خطة مستقبلية
إن اتفاقية (الجات) من المفترض أن تفتح مجالاً واسعاً من التنافس والغزو السلعي اللامحدود؛ لأنها أعطت الحرية للسوق وللعرض والطلب، وهذا أساس التعامل في النظام الدولي الجديد؛ فالقضية لابد أن تؤخذ بمأخذ الجد؛ حيث ستكون السيادة للقوي في الساحة الاقتصادية؛ بينما يتراجع الضعيف، وتصبح الأسواق أسواقاً استهلاكية، وما سيترتب على ذلك من أعباء خطيرة؛ منها ما سيسببه من تفشي داء البطالة، وما يشكله من أعباء على الدولة؛ ومن ثم تضطر الدولة إلى أن تضحي بأغلى ما عندها من مخزون استراتيجي وثروات طبيعية، فتبيعها مرغمة بأقل الأسعار حتى تتمكن من مواجهة مواقف عسيرة لم تَعُد لها العُدة من قبل، ويستمر التراجع والتخلف الاقتصادي إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
هنا يتضح أنه لابد من وضع خطة مستقبلية تستوعب كافة الطاقات الاقتصادية، وتعمل على توظيفها توظيفاً علمياً سليماً، وبنظرة شمولية وحيادية إلى كافة قطاعات المجتمع، وهي قد تؤدي في النهاية إلى أنه إما أن يكون المجتمعُ فعالاً، وكل فرد فيه له دوره في التنمية، أو أن يتحول إلى طاقات معطلة مبددة، ويتراجع التفكير الشمولي ليصبح تفكيراً محدوداً ضيقاً؛ يقتصر محيطه على دائرة الفرد والأسرة فحسب، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تفتت الجهد المشترك لمواجهة متطلبات التطور، وعندها تبدأ الكارثة.
استغلال الثروات العربية
فالغرب وغيرهم يبحثون عن مصالحهم؛ مستخدمين كافة السبل والوسائل لتحقيقها، ونحن من حقنا أن نستخدام كافة السبل والوسائل؛ بما نملك من ثروة وخبرة وعلم، وأن نستثمرها في تحقيق أهدافنا الوطنية. فلسنا بأقل من الدول المتقدمة، ولكننا -وللأسف الشديد- انشغلنا في صراعات هامشية، وقضايا ثانوية لا تخدم مصالح شعوبنا ولا مصالح أوطاننا، إنما تكون نتائجها في صالح القوى الأخرى.
كما أن كافة المحاولات التي تبذلها الحكومات العربية فيما بينها لعقد اتفاقيات ثنائية تبقى في إطار التمنيات بدون أن يكون لها تأثير فعال على الواقع؛ إنما هي عبارة عن إطار عام للتعاون يحتاج إلى آلية ذات مصلحة، تعود بالنفع على الدول جراء جهدها، وتقدم نتائج مادية ملموسة؛ تدفع الدول إلى البحث عن أسس جديدة لزيادة مواردها، وذلك يشكل حافزاً مهماً لها للبحث الدءوب عن أساليب مختلفة، وخطوات متتابعة لتحقيق أهدافها في النمو. ولكن الذي يخيفني من معركة السلام، أن تستطيع إسرائيل بما لديها من كفاءات وقدرات في المناورة والتخطيط، توظيف فائض الأموال العربية لخدمة مصالحها؛ وهو الأمر الذي يمكنها من السيطرة الاقتصادية، كما كانت لها السيطرة العسكرية في السابق، وبذلك تكون الأمور ميسرة لها؛ وهذا سيأخذ أشكالاً مختلفة، ووسائل في ظاهرها البراءة وفي باطنها السيطرة والاستغلال؛ حيث أننا لم نفق بعد، ولم ندرك أهمية التعاون والتنسيق في تشكيل مستقبل العالم العربي.
الشركة العربية للتسويق
لذا يتطلب الأمر إنشاء الشركة العربية للتسويق على الأسس الآتية:
- يتم تشكيل الشركة برأس مال لا يقل عن 5 مليارات دولار؛ تسهم فيها الحكومات العربية بنسبة 50%، ورجال الأعمال في الدول العربية بنسبة 50%.
- تكون مهمة الشركة كالآتي:
- تنمية التبادل التجاري بين الدول العربية.
- بحث إمكانيات تأسيس المشروعات المشتركة في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي وتسهيل تدفق الأموال العربية.
- المساعدة في البحث عن أسواق جديدة؛ لتصريف المنتجات العربية بما يحقق للدول العربية الاكتفاء الذاتي من المنتجات المصنعة في الدول العربية.
- إعداد الدراسات وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة، والمتعلقة بالأمور التجارية، والصناعية، والزراعية، والاستثمارية.
خطة تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول العربية
هـ. تذليل الصعوبات الناجمة عن انتقال البضائع بين الدول العربية.
- تشكيل مجلس إدارة للشركة يمثل القطاع الحكومي والقطاع الخاص؛ لوضع خطة تهدف إلى تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الدول العربية؛ وصولاً بها إلى التكامل الاقتصادي.
ضرورة خلق مناخ للتصالح مع أنفسنا، وإزالة التناقضات التي يعيشها المواطن العربي. إن هذه التناقضات ناتجة عَمَّا تطرحه الدول العربية في الاجتماعات الرسمية، وأجهزة الإعلام المختلفة؛ بالحديث الدائم عن وحدة الأمة العربية، وأن مصيرها واحد، ومستقبلها واحد، واقتصادها يكمل كل منه الآخر. في حين يرى المواطن العربي في التطبيق العملي والمعايشة اليومية تناقضاً خطيراً في السلوك، والممارسات التي تتعامل بها الدول العربية، ويتضح ذلك من خلال سن التشريعات والقوانين واللوائح؛ فكل دولة تؤكد على مفهوم الإقليمية البشعة، وتمارس التمييز العنصري؛ حتى مع العرب المقيمين في أية دولة عربية؛ وهو الأمر الذي يجعل ذلك السلوك يتناقض مع ما تعلنه تلك الدول، وما نصت عليه دساتيرها من أنها جزء من الأمة العربية، وأن ما يجمعنا -نحن العرب- هو وحدة المصير، ووحدة اللسان، ووحدة الجغرافيا، ووحدة المصلحة. لكن الواقع أن مضمون العروبة أمر يكاد يكون موجوداً في خيال الحالمين من بعض الزعماء العرب فحسب.
أهداف محددة لتأمين التكامل الاقتصادي
ومن هذا المنطلق فإنه لا بد للأمة العربية –إذا أرادت أن تواجه القرن القادم وتستعد له كما استعدت أوروبا التي وضعت نصب أعينها أهدافاً محددة وواضحة- أن تجعل الأمن المشترك، والتكامل الاقتصادي فيما بينها؛ يعلو على كل الأنانيات الإقليمية الضيقة، لأنها إذا اتحدت وتكاتفت ستصبح قوة يُحسَبُ لها ألف حساب، ومن ثم تستطيع أن تحقق لشعوبها استقراراً في المعيشة، ونمواً في الاقتصاد، وتطوراً في التنمية.
ذلك ما فعلته أوروبا، وهو ما يتمناه أيضاً كل عربي غيور على مستقبل أمته لنصل إلى ذلك المستوى، ونجعل المصلحة القومية فوق كل الاعتبارات، ليتحقق الأمن والاستقرار للجميع، ونستطيع بناء مستقبلٍ مشرق للأجيال العربية.