هل تدرك صحيفة “هسبريس” أنها أساءت للمغرب قبل موريتانيا ؟؟ (افتتاحية) / بقلم: محمد عبد الرحمن المجتبى
افتتاحية الصدى الورقية الأسبوعية الصادرة أمس الإثنين ردا على ما نشرته صحيفة "هسبريس"
من حين لآخر تطالعنا بعض الصحف والأقلام المغربية بمقالات تفوح منها كراهية نتنة لموريتانيا، وتحاول تلك الأقلام النشاز أن تمرر معلومات كاذبة ومفبركة هي من نسج خيالها الذي يستبطن التزلف.
فرضية وهمية..
ومن آخر تلك الإساءات والبذاءات ما نشرته مؤخرا صحيفة “هسبريس” –ولها الكعب العالي في الإساءة لموريتانيا – من تطاول خطير من خلال مقال كتبه (كاذبه) تحت عنوان : “موريتانيا… الغموض الثابت” ،وهو مقال مشحون بالمعلومات الكاذبة والمتخيلة حتى لدى الكاتب نفسه حيث يختمه بعد الكثير من الاتهامات والشتائم بالفقرة التالية :
“لا يزال الهجوم على السمارة غير واضح المعالم، لكن ليس من المستبعد استغلال البوليساريو للأراضي الموريتانية للاعتداء على بلادنا، وهو أمر سيولّد ردود فعل مغربية صارمة تجاه بلد عاجز عن حماية ترابه، ورغم ذلك يستمر في الغموض الأبدي.“
بما يعني أنه رغم إساءة هذا الكاتب لموريتانيا ظل يبني كل بذاءاته على فرضية متخيلة…!!!
الإساءة للمغرب !!!
و الأنكى والأخطر والأكثر تجاوزا في حق الشعوب والدول فيما نشرته “هسبريس” هو الصورة الكاريكاتيرية المشوهة والمسئية لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ، وهي في الحقيقة كاريكاتير صادمة تنشرها صحيفة تعتبر نفسها و يعتبرها”البعض” مقربة من النظام في المملكة المغربية الشقيقة ، وندرك جيدا أنه من أبجديات الحروب الإعلامية أن مثل هذه الصور “الكاريكاتيرية” تلجأ له الصحف الرسمية و صحافة “الظل” في لحظات الحرب أو إرهاصاتها أو على الأقل في الأزمات الدبلوماسية الحادة بين الدول ، وهذا معاكس تماما لما عليه الوضع اليوم في العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين موريتانيا والمغرب
وترتيبا على ما سبق تبرز مصداقية التساؤل المعنون لهذه الإفتتاحية وهو هل تدرك “هسبريس” حجم إساءتها للمملكة المغربية الشقيقة ؟
تابوهات الماضي والعجز عن استشعار الحاضر واستشراف المستقبل!!!
نعم نعتبر جديا أن مثل هذه الأساليب الشاذة في التناول الإعلامي تسيئ للمغرب أكثر مما تسيئ لموريتانيا، رغم أنها بالنسبة لنا جارحة أكثر من كونها مسيئة ، فلا نرى أبدا أن من ينظر لواقع وآفاق العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين نظرة عاقلة وازنة مسؤولة، يمكنه أن يستخدم هذه الأساليب المبتذلة في المعنى والمبنى لمحاولة التأثير سلبيا على قاطرة التعاون الثنائي، التي تشهد أوجها حاليا وعلى شتى المستويات والمجالات، حسب التصريحات الرسمية لكبار المسؤولين في البلدين الشقيقين، وهذا لا ينفي أن تكون هناك ملفات لا تتطابق وجهات نظر البلدين حولها ، لكن مع الوقت تتقارب وتتلاقى وتتطابق في أجواء الأخوة والتعاون المشترك، ولعل أخطر وأسوأ ما يكدر صفو علاقات الدول خاصة دول الجوار هو ما تنشره وسائل الاعلام المغرضة أو التي تعيش “تابوهات” الماضي، ولا تستطيع أو لا تريد استشعار الحاضر واستشراف المستقبل ، وهذا مناف للدور المحوري لوسائل الاعلام التي ينتظر منها دور أساسي واستراتيجي في تفعيل المشترك بين الدول والحكومات والشعوب ، ونبذ وتهميش نقاط الخلاف والاختلاف ، فما بالك بمن يتصور معارك وهمية، ويختلق قصصا واهية كاذبة، ليكدر بها صفو العلاقات، ويدمر بها مصالح دولته وشعبه هنا وهناك عن نية وسبق إصرار ؟
الإساءة الكاريكاتورية لموريتانيا وجيشها ورئيسها !!!
والغريب المريب أن رسام كاريكاتير هسبريس المسيئ لم يشف غليله بتجسيد فكرته المسيئة من خلال رسم كاركاتوري لجندي موريتاني مرابط على الحدود المشتركة – وفي ذلك إساءة قوية- بل بالغ في الإساءة باستخدامه لصورة رئيس الجمهورية – هرم السطلة ورمز الشعب- لمحاولة إظهار موريتانيا نائمة وعاجزة عن حماية حدودها الشمالية من جماعات البوليساريو وغيرها ..!!!
والحقيقة التي لا مراء فيها أن الجيش الموريتاني رغم محدودية الوسائل والامكانيات تمكن وبشهادة القريب والبعيد من رسم مقاربة أمنية شكلت سياجا أمنيا عصيا على اختراق التنظيمات الإرهابية وعصابات التهريب والتخريب، وذلك رغم ترامي أطراف حدود البلاد الشاسعة شرقا وشمالا ، واستطاع الجيش الموريتاني بحنكته وهدوءه معالجة وتحييد الكثير من الاحتكاكات الحدودية بدون أن يحولها إلى عنتريات بطولية ، جيش يعمل بصمت لتأمين حدود بلاده بالتعاون المثمر مع نظرائه في دول الجوار وهذا ما أكسبه سمعة طيبة لدى الجميع ، وشراسة ماحقة لدى المتطرفين والمهربين.
إساءة لم تزعج موريتانيا الرسمية !!!
ونعتقد جازمين أن هذا الكاريكاتير المسيئ لموريتانيا لو نشرته أي صحيفة عربية عن أي رئيس عربي لن ينام سفير تلك الدولة خارج بلاده ليلته تلك، بل سيسحب فورا وستحتج الدولة التي تمت الإساءة لزعيمها (رمزها) أشد احتجاج ، ولكن السلطات الموريتانية لم تعط بعدا ولا حتى اهتماما لهذه الإساءة لاعتبارين إثنين حسب ظننا أولهما عدم الرغبة في النزول لمثل هذه الترهات الإعلامية الساقطة وثانيهما أن نواكشوط تنظر بكثير من الاهتمام والتقدير لحاضر ومستقبل علاقاتها مع المملكة المغربية الشقيقة، لأن ما يجمع موريتانيا و المغرب أكثر بكثير مما يفرق بينهما ، خاصة أن المقالة المذكورة لم تتضمن ما يسترعي إنتباه المسؤول الرسمي في موريتانيا ، فهي مجرد تكرار ببغائي لإسطوانة مشروخة كانت “تطرب البعض” في ستينيات القرن الماضي في ظروف معروفة للجميع ، ولكن تكرراها بعد ستة عقود من الزمن، مجرد ردح من الغباء والبلادة السياسية أو الإعلامية لا يزعج موريتانيا ولا يعني لها أي شيئ، تماما كما لا تهتم به المغرب ولا يخدم حضورها الاستراتيجي الواعد في المنطقة.
ما لا يفهمه العالقون في وحل الماضي !!!
ووضعا للنقاط على الحروف يجب أن يفهم العالقون في وحل الماضي أن الأصوات التي تتزلف “للمخزن” بالحديث عن تبعية موريتانيا للمغرب لا يوازيها سوى الأصوات التي تتحدث عن تبعية مراكش لدولة المرابطين ، وهذه في الحقيقة بعض الأطروحات المحنطة في رفوف التاريخ، لكنها لا تتناغم مع منطق الواقع ومنطوق الجغرافيا اليوم، والحديث عنها لا يقدم ولا يؤخر ولا تترتب عليه أية مصالح استراتيجية للبلدين الشقيقين، ودورنا كإعلاميين هو تثمين المشترك وتسخير أقلامنا ومؤسساتنا لتكون جسرا تعبره مسارات التطوير الاقتصادي والثقافي والسياسي بين بلدننا والعالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بدول الجوار التي تتقاسم ذات العقيدة والدم والتاريخ والجغرافيا، وفي هذا السياق تحضرني حادثة مماثلة مع زميل صحفي مغربي مرموق قبل سنتين قرأت على صفحته تدوينة تتضمن تهكما ضمنيا من الجيش الموريتاني، ولأنه صديقي اتصلت عليه وقلت له عزيزي هذه التدوينة لا تناسب الجيش الموريتاني ولا تليق به، كما لا تناسبك شخصيا لما أعرفه فيك من النباهة والدراية ،وهي بالنسبة لي إساءة لجيش بلادي، كما أنني أجزم أن المغرب الرسمي لا يرحب بها، لأنها تؤثر سلبا لا إيجابا، والجيوش على الجبهات تحتاج لتلطيف الأجواء وتهدئتها لا لصب الزيت على النار، وللأمانة بادر صديقي وزميلي بحذف التدوينة وبالغ في الاعتذار مؤكدا أنه لم يكن يقصد أي إساءة للجيش الموريتاني ، وهنا أسجل له وللغالبية العظمى من النخب الإعلامية المغربية تقديري واحترامي لنزاهتهم الفكرية وحسهم الوطني والقومي الرفيع ، ويمكنني التأكيد بحكم معرفتي للكثير من الإعلاميين المغاربة أن أغلبهم لا توجد لديه هذه الأمراض المزمنة التي أصبح أصحابها يغردون خارج السرب، تحت تأثير مطامعهم ومصالحهم الضيقة ، ولذا لم أجد يوما أن “ضجيح” هؤلاء يستحق الرد بل كنت وما زلت أرى أن التجاهل هو أفضل علاج له، لكن ليس في هذه الحالة التي تسيئ فيها صحيفة مشهورة و وازنة لها “حضورها” لبلادي ورمزها.
عصيان “هسبريس” لتعليمات واضحة لجلالة الملك محمد السادس!!
وما يدهشني أكثر هو تجاهل بل عصيان “هسبريس” لتعليمات رسمية من جلالة الملك محمد السادس الذي وجه في خطاب رسمي قبل سنة من الآن بعدم مهاجمة وسب الجزائر قائلا بالحرف الواحد ” لن نسمح لأحد بالإساءة للجزائر وادعاءات سب المغاربة للجزائريين محاولة لإشعال النيران” فإذا كان هذا كلام جلالة الملك عن الجزائر التي ندرك جميعا حجم الاختلاف والخلاف معها ، فذلك يعني بالضرورة أنه لا يقبل الإساءة لموريتانيا ولا لتونس ولا ليبيا ولا لأية دولة شقيقة أو صديقة.
تغريد خارج السرب … الى متى ؟؟؟
فمتى تفهم تلك الأصوات التي تغرد خارج سرب المهنية الإعلامية والمسؤولية الأخلاقية والوطنية، أنها تسيئ لحكوماتها بمثل هذه الأساليب الهجومية ذات الحسابات الضيقة ؟ ومتى تكف عن اختزال مصالح بلدانها في مصالحها الشخصية. و انطلاقا مما سبق هل أدركت صحيفة “هسبريس” حجم إساءتها للمملكة المغربية قبل موريتانيا برسمتها هذه المستهجنة مهنيا وأخلاقيا.
المصدر : افتتاحية الصدى الورقية الأسبوعية الصادرة أمس الإثنين (العدد 324) بتاريخ 06جمادى الأول 1445هــ الموافق 20-11-2023