السعودية الجديدة والتحولات الكبرى ../ محمد عبد الرحمن المجتبى

بدعوة كريمة من وزارة الاعلام السعودية ، تشرفت مؤخرا بحضور احتفالية الرياض عاصمة الاعلام العربي، التي أقيمت بالعاصمة السعودية الرياض، بحضور وزراء الاعلام العرب، وكوكبة من رموز الإعلام العربي ، كانت فعالية مميزة بتحضيرها وحضورها ،خاصة من شخصيات الزمن الجميل ،رواد صناعة الإعلام والرأي بالمملكة ،الذين حرصت وزارة الإعلام السعودية على إحضارهم لتكريمهم من جهة، وتكريم ضيوفها بأصوات ووجهوه إعلامية تجسد مرحلة فارقة من مراحل صناعة الاعلام السعودي والعربي عموما ، فهم بحق كوكبة رائعة من سدنة الحرف والرأي، أشعلوا قناديل المعرفة، ومواقد الفكر ،وشهب الوعي في أخيلة الأجيال السعودية المتعاقبة على مدى عقود من التنوير والإبداع.
فلهم ولوزارة الاعلام السعودية كامل الاجلال والتقدير.
بيد أن تظاهرة الرياض لم تكشف لنا خبايا ومزايا التجربة الاعلامية السعودية الرائدة فقط ، بقدر ما كشفت لنا أيضا عن بعض ملامح ما تشهده الرياض نفسها من تطورات متلاحقة على شتى الأصعدة ، فخلال أسبوع واحد كنا معشر الإعلاميين شهودا وضيوفا على ثلاث فعاليات كبرى على أديم أرض الرياض الجميلة ، فبعد احتفالية الرياض عاصمة الاعلام العربي، تمت دعوتنا لفندق “الرتز كارلتون الرياض” حيث الفعالية الكبرى الاولى من نوعها في المملكة المنظمة تحت عنوان ملتقى الميزانية الجديدة ،وهي الفعالية التي انعشها 12 وزيرا سعوديا من مختلف القطاعات التنموية والاقتصادية ، تحدثوا خلال جلسات الملتقى بشفافية لا نجانب الصواب إن قلنا انها غير مسبوقة في تاريخ المملكة ، ولعلها تترجم بعض سمات ومميزات السعودية الجديدة ، وشخصيا لم يلفت انتباهي مستوى تفاعل الوزراء مع الجمهور وتقديم كل التوضيحات حول الميزانية والتحديات الاقتصادية والتنموية التي تعيشها المملكة ، بقدرما فوجئت حقا بمستوى الشفافية والمكاشفة بين رجال الأعمال ورجال الحكومة في هذا الملتقى ، وطبعا قد لا يستسيغ بعض القراء ذلك لإعتبارات الصورة النمطية المرسومة عن المملكة ونظام الحكم فيها ، لكنني وغيري من الإعلاميين كنا شهودا على رجال أعمال يعبرون عن رؤاهم الاقتصادية بصراحة من داخل فندق “الرتز” و ينتقدون بعض السياسات والثغرات المتعلقة بالعمل الحكومي، والوزراء يردون عليهم بالتبريرات والتفسيرات الواقعية، وأحيانا يعترفون بتقصير هنا ، وقصور هناك ، ولكن هذا النقاش الذي دام عدة ساعات لم يفسد للود قضية، وكان الجميع يتابع ما يجري بتحمس واثق، للتحليق الاقتصادي الواعد، في فضائات النمو المتسارع ، ولوجا لعوالم جديدة من الرقي والازدهار ستشهدها المملكة في المستقبل المنظور ، وهذا فعلا ما تشي به النقاشات والمداخلات التي كشفت الكثير من خلفيات وأسرار آليات اتخاذ القرار السعودي الجديد.
وتبقى أبرز واهم ملحوظة يمكن أن تستخلص من جلسات ملتقى الميزانية “التريليونية” السعودية ، هي أنها كشفت للجميع عن جوانب جديدة من شخصية الامير الشاب محمد بن سلمان ، فكثيرا ما كان الوزراء يستطردون بعض أحاديثهم وجلساتهم معه وأحاديثه مع رواد وصناع الاقتصاد وأرباب الاعمال حول العالم ، وتشي شهادات الوزراء بعبقرية فذة وذكاء خارق، وعن عقل اقتصادي كبير يستوعب عقول كبار الاقتصاديين العالميين.
أما التظاهرة الثالثة ، فهي النسخة الثالثة والثلاثين من مهرجان الجنادرية التراثي ، الذي يجسد عناق السعودية الحديثة مع ماضيها العبق، المفعم بالتراث الروحي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي وحتى السياسي ، وما يميز هذه الطبعة من الجنادرية المشمولة بالرعاية الكريمة والحضور السامي لخادم الحرمين الشريفين هو تخليدها تحت عنوان “وفاء وولاء”.
أما منصة الشرف لهذه الدورة فتتربع عليها دولة اندونسيا التي عبرت وزيرتها للثقافة السيدة “بوان مهاراني” عن خالص امتنانها وتقديرها لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، على إتاحة الفرصة لتكون بلادها ضيف شرف لهذا الحدث الوطني المرموق.
و أضافت “بوان” إن هذه المنحة ما هي إلا منحة قيمة موهوبة لحكومة وشعب إندونيسيا احتفاءًا بحلول العصر الذهبي للعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وهو عصر “السعونوسية”، أي السعودية وإندونيسيا ، خصوصاً بعد الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبدالعزيز إلى إندونيسيا عام 2017 التي أعطت زخماً سياسياً قوياً في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
والواقع أن خمسة أيام في الرياض جعلتني شخصيا أدرك ان السعودية التي زرتها عدة مرات في تغطيات لبعض القمم العربية والإسلامية وفي زيارات خاصة ، تمسك اليوم بطاقة الاقلاع لتطور مذهل لا حدود لطموحاته و مآلاته الواعدة .. نحن فعلا نعيش السعودية الجديدة ذات التطوير المتسارع والتطورات المتلاحقة، السعودية التي تخرج من عباءة البيروقراطية الى حاضر ومستقبل الاستثمار في اللحظة والانسان السعودي ، إنها السعودية التي ترفع شعار المواطن أولا .. المواطن السعودي هو الغاية والوسيلة في الرؤية السعودية الجديدة ، وطبعا مع تعزيز و تطوير الالتزام السعودي بخدمة الاسلام والمسلمين والانسانية ككل إنسجاما مع بعدها الروحي كبلاد للحرمين الشريفين.
كما مكنتني هذه الزيارة القصيرة من استيعاب اعمق لرد اعجبتني بداهته الدبلوماسية للوزير عادل الجبير على اقتصادي غربي بارز ،كان يتحدث في منتدى عالمي عن رؤية السعودية الجديدة وعن ابعادها الاقتصادية بكثير من التشكيك ، معتبرا أن “تسارع الاحداث في المملكة قد يربك رؤيتها الاقتصادية المرسومة” ، فرد عيه الجبير قائلا ، نحن يحيرنا أمركم ، انتم في الغرب كنتم دوما تحدثون عن “البيروقراطية السعودية” على أساس أنها عائق كبير وخطير امام التنمية والتطور الاقتصادي ، والان تربككم الرؤية السعودية الجديدة وما يميزها من تسارع وتسريع في شتى المجالات” ،
نعم اكتشفت الآن أن معالي الوزير الجبير حينها كان يتحدث عن واقع معيش في المملكة نابع من رؤية استشرافية طموحها السماء ، ومنبعها الرجال والنساء المصممون على تسنم أرحب قمم وباحات التطور والازدهار كونيا ، أما مهندس تلك الرؤية فهو الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي بقدرما يبهر كبار العقول الانمائية العالمية ، بما يحظى به من كاريزما القيادة المستنيرة ، وما يحققه من مبهرات التحديث والتطوير في المملكة ، تترصده القلوب المريضة داخل المنطقة العربية وخارجها، متوجسة من مشاريعه التطويرية ،ومن منهجه الاصلاحي النابع من فلسفة عزم وحزم خادمين الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، الذي تسطر المملكة في عهده الميمون سفرا جديدا من التطور والازدهار يليق بها وبمكانتها المحورية اسلاميا وعربيا وأمميا ، وهذا ما يجعلنا فعلا أمام “سعودية جديدة” بتطوراتها المتلاحقة ذات الأبعاد الانمائية والإنسانية والإسلامية والعروبية الشاملة.
فشكرا لوزارة الاعلام السعودية على كرم الدعوة وحفاوة الاستقبال والضيافة ، وشكرا مستحقا لمن كان السبب في دعوتنا للرياض ، صاحب السعادة الدكتور هزاع بن زبن بن ضاوي المطيري سفير خادم الحرمين الشريفين في موريتانيا ،الرجل الذي في مأموريته حققت العلاقات الموريتانية السعودية قفزة نوعية، وتطورا ملموسا في شتى المجالات ، توجته الزيارة التاريخية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة لموريتانيا مؤخرا.