3 ملاحظات عن لعبة الشطرنج الدولية في سوريا اليوم! محمد سليم قلالة
تَحمِل الزِّيارات الأولى لِسوريا إشارات دالة على المستقبل المباشر الذي ينتظر الحكم الجديد سواء أكانت من تركيا أو قطر أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الجامعة العربية أو الدول الأوروبية أو الأمم المتحدة.. جميعا تحتاج إلى رصد بعض الملاحظات:
– الملاحظة الأولى: تقول إن تركيا كانت سَبَّاقة قبل غيرها للاتصال بالحكم الجديد، بما يؤكّد قِدَمِ العلاقات بين الطرفين والثقة المتبادلة بينهما جَرَّاء العمل المشترك مع الحكومة الائتلافية السورية السابقة في “إدلب”، كما أن قطر كانت أكثر البلدان العربية بقاءً على اتصال بالمعارضة السورية في إدلب بعد أن ابتعدت عنها بعض الدول الداعمة في السنوات الأربع الأخيرة.
– الملاحظة الثانية: أنّ الأمريكيين لم يتردّدوا في الإسراع بِربط علاقات مع الحكم الجديد رغم أنهم قانونيًّا مازالوا يعتبرون هيئة تحرير الشام “تنظيما إرهابيا” طبقا لقرار مجلس الأمن 2254، أي ينبغي عدم التعامل مع قيادته وعدم قبول مشاركة هذه القيادة في أي انتقال سياسي في سوريا.
– الملاحظة الثالثة: أن زيارة الوفد الأمريكي تزامنت مع زيارة الوفد الأممي الذي من مهامه الحرص على تطبيق القرار المذكور أو مراجعته. وبالنظر إلى أن المطلب الأول للحكم الجديد في دمشق هو إعادة النظر في هذا القرار، فإن هدف الأمريكيين يصبح واضحا: الضغط من خلال هذا القرار على الحكم الجديد إلى أن يجري التأكد من توجهاته بشأن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة…
تَدُلّ جميع هذه الإشارات على حجم الضغوط التي تنتظر الحكم الجديد في سوريا، بل وتُبيِّن صعوبة المهمة التي تنتظره في هذه المرحلة الأولى من الانتقال؛ ذلك أن الميل الصريح أو العداء الصريح لأي طرف من الأطراف ستكون له آثار عديدة ينبغي حسابها بدقة. أيّ حركة على رقعة الشطرنج السورية اليوم سَتترتّب عنها تداعيات لا حصر لها، جميع الأطراف المذكورة آنفا لا هي معادية تماما لبعضها البعض ولا هي صديقة تماما حتى تسهل عملية الفرز بينها أثناء الحساب السياسي.
الولايات المتحدة وتركيا لا يتفقان في كيفية التعامل مع أكراد سورية، كما لا يتفقان في كيفية التعامل مع “قوات سورية الديمقراطي” و”حزب العمال الكردستاني”، إلا أنّهما يتفقان في مسألة الاعتراف بالكيان الصهيوني وبِبقاء البلدين في الحلف الأطلسي.. أمّا البلدان العربية التي بادرت بالزيارة باسم الجامعة العربية، فهي تُريد ربط علاقة مع الوافد الجديد للحكم، إلا أنه يقلقها التعامل مع “إسلاميين” بإمكانهم التعاطف مع الإخوان المسلمين خاصة في مصر.
وتبقى الأمم المتحدة هي الأخرى في حيرة من أمرها بشأن التعامل مع قيادةٍ في سوريا حَكَمَتْ عليها في سنة 2015 بالإرهاب وأعلنت رفضها مُشاركة جماعة “جبهة النصرة” تحديدا في الحكم وها هي تراهم يحكمون!…
ما المتوقع حدوثه في هذه الحالة؟
يبدو أن تركيا اليوم في موقف متقدِّم بالنسبة للجميع، وكأنها كانت مُهَيأَة تماما لهذا التحول مما سيجعلها بمثابة الرقم الصعب في المعادلة الحالية بسوريا، خاصة إذا ما تمكَّنت من الحصول على الدعم الخليجي. ويبدو أن قطر على وفاق تام معها، مِمَّا سيدفع بقية الدول إلى المشاركة في المسار القادم خوفا من أن تنفرد به قطر وتركيا وحدهما.
الأمر ذاته بالنسبة لمصر؛ إذ ستضطر هي الأخرى للتعامل مع الحكم الجديد في دمشق حتى لا تُصبح ورقة الإسلاميين المصريين أقوى في يد تركيا وتؤثر على العلاقات التي هي في طور التشكُّل بين البلدين اليوم، أما باقي الدول العربية فهي الآن أمام خيار واحد يقول: “أن تأتي متأخّرا خيرٌ من ألا تأتي”، وهو شبيهٌ بِمواقف الاتحاد الأوروبي المحكومة بالموقف الأمريكي والسّاعية إلى دخول السباق وليس بيدها سوى الابتزاز بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات…
من خلال هذا تَتَجلَّى ملامح المرحلة القادمة في سوريا، وأول ما أصبح واضحا إلى حدِّ الآن فيها: أنَّ أيَّ معادلة سياسية ستُطرح بهذا الشأن، ستكون تركيا طرفا أساسيًّا فيها في جميع الظروف.
المصدر :الشروق أونلاين