القائد الذي فتح الاندلس ولم يحرق سفنه ثم اختفى ا!!! / كتب ا.د كريم فرمان

انا مثل جيلي واجيال اخرى عديدة تشربنا بقصة بطولة القائد طارق بن زياد وفتحه الأندلس وقصة احراقه لسفنه والقاء خطبته المعروفة ايها الناس، البحر من ورائكم والعدو امامكم..الخ ولكن عندما كبرنا وقرانا بقيت قصة احراق السفن مسالة فيها نظر فكيف لقائد عسكري محنك وذكي ان يقوم باحراق سفنه وقطع طريق العودة والانسحاب خلافا لكل ما ورد في الفكر العسكري وتاريخ الحروب.
حضرت حلقة نقاش قبل سنوات في جامعة القاضي عياض في المغرب وشارك فيها اساتذة تاريخ وسياسة اجلاء وثبت بالدليل المقنع أن قصة احراق السفن أسطورة تاريخية متاخرة وليست حدثا واقعيا ويستندون إلى أن قائدا ذكيا مثل ابن زياد لا يمكن أن يقطع خط العودة واستمرار وصول الامدادات من قائده موسى بن نصير.
ثم أن غياب الرواية عن اقدم المصادر التاريخية وظهورها لاحقا كبعد روائي ورمزي يدحضها للأسباب التالية:
اولا. ضرورة عودة سفن النقل والامداد لتامين استمرار تدفق احتياجات الفتح.
ثانيا. ان طارق بن زياد اصلا لم يكن يملك اغلب سفن الاسطول والتي كان قد استاجرها وليس له الحق الشرعي والأخلاقي في عملية احراقها.
ثالثا. ان هذه القصة ماخوذة من ثقافات اخرى مثل قصة القائد الفارسي وهزر لترسيخ مفهوم التضحية والفداء ورفع معنويات الجند.
ومن قدم اضافات غاية في الاهمية لتعزيز فكرة ان بن زياد لم يحرق سفنه هو الصديق والزميل الاستاذ الدكتور عبد اللطيف اكنوش وهو من الاخوة الكرام الامازيغ فقد شكك في رواية الحرق وحتى الخطبة التي نسبت اليه قال بالنص
( طارق بن زياد بربري وكان حديث عهد بالاسلام وقتذاك وباللغة العربية وان هذه الخطبة العصماء بليغة الى درجة أن يبداها، ايها الناس تصلح أن تنسب الى علي بن طالب كرم الله وجهه او قس بن ساعدة او ابن تمام!!).
كان رجلًا من طراز نادر.
قاد جيشًا صغيرًا، عبر البحر من المغرب إلى الأندلس،
وواجه مملكة القوط التي تمتلك عشرات الآلاف من الجنود.
ومع ذلك… انتصر!
عندما وصل إلى الشاطئ، نسبوا اليه زورا قصة احراق السفن المعروفة ودسوا علينا كلمته الشهيرة:
البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصبر والنصر.
لم يكن ذلك تهورًا، بل إيمانًا لا يتزعزع بالنصر أو الشهادة.
فتح الأندلس، وكتب أول فصول حضارة استمرت لقرون.
لكن بعد هذا المجد العظيم… اختفى طارق بن زياد.
وهنا تبدأ الحيرة…
هل قُت.ل بعد الفتح؟
هل سُجن؟
هل نُفي بعيدًا عن الأرض التي حررها؟
إلى اليوم، لا توجد حقيقة مؤكدة.
مصيره ظل لغزًا غامضًا، بلا شاهد قبر، ولا رواية موثقة.
كأن التاريخ قد قرر أن يُبقي نهاية هذا القائد طيّ النسيان.
ورغم ضخامة الإنجاز، لا يرد اسمه في مناهج التعليم كما يليق به،
ولا تُروى قصته للأجيال التي تبحث عن قدوة.
طارق بن زياد لم يحتج تاجًا ولا تمثالًا،
بل احتاج فقط إلى إيمان، وقلب لا يعرف الخوف.
فتح الأندلس ومضى، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى. وأما ما روج له من بعض الشعوبيين بانه مات متسولا على أبواب الجامع الاموي فهي ليست الا محض هراء فبعدما نشب خلاف بينه وبين موسى بن نصير استدعاهما الوليد بن عبد الملك إلى الشام وهناك كما تؤكد اغلب المصادر انه لقي كل احترام وتقدير من الناس لان من عادات العرب الفطرية ان يجلوا ابطالهم الكبار فكيف والشام كانت في ابهى عصورها تقبل ان قائدا عظيما وفاتحا شهيرا مثل طارق بن زياد يعيش متسولا على بوابات جامعها الشهير!!
الصحيح انه بعد أن انجز ما انجز اختار العزلة والتفرغ للعبادة حتى وفاته رحمه الله تعالى.
ولعل أعظم تكريم له أن نعيد رواية قصته…
أن نعلّم أبناءنا أن القادة الحقيقيين لا يُقاسون بما يملكون،
بل بما يتركون من أثر في نفوس الأجيال.
رحم الله طارق بن زياد… الرجل الذي كتب التاريخ، ثم خرج من صفحاته في صمت.




