الأخبارفضاء الرأي

غزواني معركتكم للإصلاح :ثلاث جبهات لضبط مسار الإصلاح/محمد محمود بكار

الإعلامي مجمد محمود ولد بكار المدير الناشر لصحيفة العلم

يبدو أن صدور التقرير الأخير لم يكن مجرد حدث عابر في الحياة الوطنية، بل بداية لمرحلة فاصلة تتشكل ملامحها ببطء وحذر. فالأمر لا يتعلق بوثيقة إدارية أو محاسبية، بقدر ما يتعلق بتحولٍ سياسي واجتماعي يختبر صدقية الدولة وجدية النخب في مواجهة الفساد وبناء مشروع وطني جديد.

من الواضح أن مرحلة جديدة بدأت تتشكل بعد صدور التقرير؛ إنها لحظة فارقة في الواقع الوطني. هذا التوجه ظلّ مطلبًا ملحًّا لدى كثيرين، خاصة لدى النخبة التي طالما وجدت نفسها على الهامش. غير أن هذا التحول، على أهميته، تعترضه عقبات كثيرة، أولها المجتمع نفسه بقِيَمه الاستهلاكية والاجتماعية، في ظل الخمول العام والانصياع للتفاهة وثقافة الموضة التي تعكس خواءً روحيًّا وابتذالًا فكريًّا، وهي ثقافة تستهوي شرائح واسعة من النساء والشباب.

ينضاف إلى ذلك النخبة التي كانت ولازالت تتحكم في مفاصل الدولة وسادت لفترة كبيرة داخل دهاليز السلطة من جنرالات وإداريين ومشايخ وشيوخ قبليين وسياسيين وصحافة مأجورين كلهم يحدون ذواتهم ومراكزهم وسلطانهم ومحظياتهم في الفساد تنضاف إلى ذلك نخبة المال المتعطشة للمزيد، بطرق غير منضبطة ولا أخلاقية، ثم النمط السياسي السائد في البلد الذي جعل من المال معيارًا وحيدًا للنجاح، فضلًا عن نموّ تيارات معارضة لا تملك مشروعًا وطنيًا سوى بلبلة الساحة وإرباك المشهد العام وتمثل في كنهها جزء من النظام العام وفساده ، وغياب القواسم المشتركة وخطوط التوافق السياسي، مما يضعف الجبهة الداخلية.
وعمليًا، فإن مرحلة ما بعد التقرير ستمسّ هذا النظام العام بأكمله — فالسؤال المطروح: من سيكون روّاد وجيش هذا التحوّل؟

اليوم نرى خطابًا موجهًا إلى غزواني من نوع: «اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون». انتقادات واسعة لا تُبقي ولا تذر، وتنظيرات لا تنتهي، لكنها جميعًا بعيدة عن الواقعية. البداية الحقيقية يجب أن تكون من الممكن وبالمتاح، ثم البناء عليه في إطار عملية وطنية تنسجم فيها الأصوات المطالِبة بالإصلاح ضمن مشروع جماعي متدرّج.

لقد قلنا مرارًا إن غزواني ليس ثوريًا ولا راديكاليًا، لكنه يتبنّى الأفكار القادرة على دفع البلد إلى الأمام إذا ما حظيت بالدعم والمساندة، ويُعلن ذلك باستمرار. غير أن المشكلة تكمن في أن الجميع يصغي ثم يعيش أيّامًا من الضجيج، ليعود بعدها إلى النسيان. نحن اليوم بحاجة إلى قوة وطنية حقيقية من الرأي العام والفاعلين والنخبة لدعم هذه الخطوات؛ فالكثير من الأصوات التي تملأ الفضاء بالنقد تفتقر إلى الضمير والجدية والمسؤولية.

وعلى غزواني من جهته أن يُدرك أن هذه معركته هو، وأنه دخلها بإرادته وتعليماته، وبالتالي عليه أن يمضي بثبات وذلك من خلال بناء وتحصين ثلاث جبهات أساسية:

أولًا – الجبهة السياسية:
ينبغي تقوية الحزب الحاكم ومنحه صلاحيات حقيقية للمشاركة في هذه العملية. فالحزب هو الذراع السياسية التي تلتف حولها نخبة النظام وقاعدته الشعبية، وهو الرافعة الأساسية للحشد والدعم. عليه أن يقود هذه المرحلة من الناحية السياسية، تنظيرًا وتعبئةً جماهيرية، ومن خلال ناخبيه ومنتخبيه، لترسيخ ثقافة الاستقامة والانضباط، ونشر قيم مناهضة الفساد والرشوة، ومحاصرة المناخ الذي يزدهر فيه المفسدون.

ثانيًا – الجبهة الإعلامية:
إن الإعلام الدائر في فلك الدولة والذي يفتقر اليوم إلى القدرة على الإقناع وتصحيح المفاهيم وتقويم الاتجاهات والآراء الداعية للتمايز ، في حين نجد أفرادًا أقل خبرةً وتعليمًا يحظون بمتابعات بمئات الآلاف ويستطيعون تأليب الرأي العام. إن دورهم في الفتنة والتأجيج يشكل قنابل موقوتة. لذلك يجب تأسيس ذراع إعلامي قوي وفاعل يدعم الحقيقة، ويروّج لخطاب السلم، ويضبط التيارات الإعلامية الكبرى في البلد، ويخلق توازنًا بين التضليل والحقيقة، إذ تميل الكفة اليوم لصالح التضليل على نحوٍ كاسح ومقلق.

ثالثًا – جبهة المؤسسات:
وهي الدولة نفسها — مؤسسة الرئاسة، الحكومة ومؤسسة الوزراة الأولى فهناك الكثير من الأشخاص الذين لن يكون لهم دور وظيفي في هذه المرحلة بل هم ضدها فلابد من تطهير مؤسسات القرار والتنفيذ من هذا النوع من الناس كما يجب ضبط نمط التعينات لابد من تقارب في المستويات وفي القناعة وفي الروح الوطنية ، كما يجب ضبط القضاء،والإدارة، والبرلمان على هذا التوجه — يجب أن تندمج جميعها في خطة واحدة وتحت سقف واحد. فالتعدد في السقوف والتباين في الرؤى يُربك الانسجام العام ويعيق تنفيذ الخطط بفعالية.

إن غياب تنظيم هذه القوى والجبهات سيجعل هذا التحول بلا روح، ولن يحقق أيّ تقدم جوهري مهما سُجن من فاسدين أو نُشر من تقارير. فالإصلاح لا يُصنع بالبيانات والعقوبات فحسب، بل بالتنظيم والعزم والتكامل في الجهد الوطني نحن بحاجة للاندماج والانسجام والتكامل وكل ذلك يتوقف على الصرامة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى