الإطار الموريتاني الدولي أحمد سالم ولد أحمد يكتب : لو لقيت صاحب الفخامة بین المأموریتین لطرحت عليه ثلاثة أسئلة.
بدایة أزف أحر التھاني وأصدق الأماني إلى فخامة رئيس الجمھوریة السید محمد ولد الشیخ الغزواني بمناسبة فوزه الكاسح في الاستحقاقات الرئاسية التي جرت في التاسع والعشرين یونیو 2024. و بھذه المناسبة السعیدة، أرجو أن يسمح لي فخامته أن أتقدم الى جنابه السامي بطلب، ربما شاطرني إياه طيف واسع من أبناء وبنات البلد الذين لم يتمكنوا حتى الآن من الوصول الى فھم صحیح لحقیقة نظامه حتى يصنفوه التصنیف الصحیح المنصف. ھذا الطلب ھو أن أوجه إليه، قبل أن تبدأ سفينة المأمورية الجديدة إبحارها، الأسئلة التالیة:
- 1 ما ھي دوافعه للتقدم أصلا لرئاسة البلاد وقیادتھا ومن أجل تحقیق أي ھدف ؟
- 2 أین ھو في نھایة المأمورية الأولى من بلوغ هدفه الأصلي ؟
- 3 كيف يمكنه أن يتلافى خلال المأمورية الثانية نواقص المأمورية الأولى ؟
بطبيعة الحال، كل متتبع للشأن العام من مواطنيكم یا صاحب الفخامة لا یمكن إلا أن یطرح ھذه الأسئلة وله تصوره الخاص للرد علیھا، لكن الكل يتساءل عن رأيكم أنتم. و ما یكاد یجمع علیه تیار واسع من الرأي العام الوطني ھو أن أغلبية ساحقة من الموریتانیین كانت تمد أكف التضرع الى السماء لیتم انتخابكم رئيسا للجمھوریة في انتخابات 2019، فكان الجميع یرى فیكم القائد المنقذ والرئیس المُخَلِّص بعد ما آلت إلیه أوضاع البلد آنذاك من سوء، ولم یكن یرى الموریتانیون یومھا في غیركم من الأھلیة ما یرون فیكم، وقد بنوا رأیھم ھذا إما على معرفة بشخصكم الكریم بالنسبة لمن عرفوكم أو إسقاط مآثر الآباء والأجداد علیكم بالنسبة لمن لم یحظ بمعرفتكم المباشرة، فالكل یعرف أنكم لم تأتوا الى السلطة من أجل جمع المال ولا بحثا من خلالھا عن صیت أو مجد، فقد نشأتم تتعاطاكم رقاب الرجال وتطعمون من أوان العسل المصفى و اللبن السائغ للشاربین، وتربیتم أحسن تربیة یمكن أن یتلقاھا أمثالكم وجیلكم، سواء ما تعلق منھا بالتحصیل العلمي، بمفهومه الواسع تقليديه وحديثه، ظاهره وباطنه، أما على مستوى الصیت والمجد، فقد بنى منه الآباء والأجداد ما ستظلون ترفلون فیه أنتم وأبناؤكم وأحفاد أحفادكم دون أن ینقص ذلك منه شیئا.
فقد كان إذن تحصيل حاصل بالنسبة للجمیع أنكم لم تقدموا على ھذا الأمر إلا من أجل أن يسطر التاريخ اسمكم بأحرف من ذھب بين القادة التاریخیین من قبلكم ومن بعدكم الذين بنوا هذه البلاد وخدموا شعبھا و خلصوه من ويلات التخلف والجوع والمرض ورفعوا راية موریتانیا خفاقة في السماء وبقت أسماؤھم
خالدة الذكر في الوجدان والذاكرة الجماعییین للموریتانیین.
الیوم، وأنتم تودعون الخمسیة الأولى من تمكینكم، لابد أن أقول لكم وبكل استحياء أن طیفا واسعا ممن كانوا يعلقون علیكم ھذه الآمال كادوا يراجعون نحو الأسفل طموحاتھم للبلد في عھدكم بسبب المنھج المتبع في الحكم خلال السنوات الخمس المنصرمة والذي كان مباغتا للجمیع ولا أحد كان
ينتظره، فكانت محصلته الصادمة فجوة كبيرة وكبيرة جدا بین ما كان منتظرا وما تحقق فعلا.
ويعود ذلك لسبب وحيد هو أن الموريتانيين أنتخبوكم لتحكموهم أنتم لما عرفوا فيكم من أمانة وعطف وحنان،لا لأن تؤمروا عليهم قوما خانوا أمانة من كان قبلكم وها هم يخونون أمانتكم و سيظلوا يسعون لخيانة أمانة من سيأتي بعدكم.
صحیح أن إنجازات عديدة تحققت لا یمكن تجاھلھا خاصة في ظل الظروف العالمية التي صادفت بداية المأمورية، إلا أنھا تبقى ضئيلة جدا مقارنة مع حاجة الشعب و مستوى الآمال المعلقة على قائد من عیار فخامتكم، وحتى ھذه الإنجازات كان ھنالك إخفاق كبير في تسویقھا التسویق المناسب، كما أنھا لم
تتضمن مشروعات كبرى تضاھي تلك التي أنجزت خلال العشرية السوداء. ولعل المجال الذي أبلیتم فيه البلاء الحسن بإجماع الجمیع ھو سمو الأخلاق وطلاقة الوجه والتواضع، حقا وسعتم الناس بخلقكم الحسن، وكانوا في أمس الحاجة الى ذلك بعد أن عانوا قبلكم من تجھم قادتھم وعجرفتھم، أما أنتم، فكل من یلقاكم لا بد وأن یخرج من عندكم راض مع أن مأموریتكم، وھذا مما يؤخذ علیھا، اشتكى خلالھا الكثيرون من صعوبة الحصول على مقابلتكم مستغربين احتجابكم عن الوجھاء و النخب وقادة الرأي . ولم یر الكثيرون في التھدئة السیاسیة التي تقدم على أنھا إنجاز كبیر، أكثر من كونها نتيجة طبيعية لتربیتكم الاجتماعية المبنية على توقير واحترام الأكابر، وھو ما عاملتم به أكابر القادة السیاسیين، الذین وجدتموھم وقد أنھكوا قبلكم بعد أن أخذتھم الأنظمة السابقة بالسنین ونقص من الثمرات لعلھم يستسلمون، فوجدتم رؤوسھم يانعة فتھاوت دون أية تنازلات سیاسیة من قبل النظام .
والإنجاز الأكبر الذي يستحق التنويه والإشادة خلال المأمورية الماضية ھو إنشاء منظومة جديدة للتأمين الصحي في متناول كل المواطنين، في حين كان إنشاء تآزر بالرغم من حسن النية فيه أقرب ما يكون للخطإ في التخطیط، فتوزیع المبالغ المالية لم يكن في یوم من الأیام أداة ناجحة لمكافحة الفقر ،فھو يعمق الاتكالية ومخصصاته عرضة للنھب أثناء حلقات التوصیل وقد استعاضت عنه الكثير من نظريات مكافحة الفقر بما يسمى بالتركيز على “المشروعات ذات الكثافة العالية في اليد العاملة ” les projets à haute intensité de main d’œuvre ” فھذا النظام یجمع بین توفیر فرص العمل للطبقات الھشة واستخدام طاقاتھم في إنشاء مشروعات تنموية لاسيما على مستوى البنیة التحتیة، يضاف الى ذلك أن تآزر ممولة من موارد الموازنة الوطنیة، وما دام تدخلھا في الأساس في القطاعات الاجتماعية من صحة وتعليم فبالتأكيد ھي مخصصات مستقطعة من الموازنات الأصلية لھذه القطاعات، وبالتالي فمن الأنسب توجیه ھذه الموارد لتحسين أداء تلك القطاعات بدل أن تخصم من موازنتھا، مما يحد من كفاءة ادائھا ثم أن تبسیط الدورة المالية لمشروعات تآزر مقارنة مع القطاعات الموازية محفز على الفساد، وھو ما حدث فعلا حیث أصبحت وكرا للفساد، کما یشیر الی ذلك تغییر قیادتھا ثلاث مرات .
في هذه اللحظة التاريخية والمفصلية ، وقد جدد الشعب الموریتاني أمله فیكم لتحقيق تطلعاته المشروعة في التقدم والازدھار، أناشدكم ياصاحب الفخامة من موقع المشفق عليكم من التاريخ “كنقص القادرين على التمام “أن تتنازلوا مؤقتا عن فضیلة الوفاء للأصدقاء والمعارف و تبعدوا عنكم منظومة الفساد المتحكمة في كل مرافق الدولة وتسرحوھا سراحا جمیلا معتذرین لھا أنكم لم تختاروا عنھا الا انفسكم وذكر التاریخ لكم وأنكم شئتم ان تتخذوا الى ربكم مآبا في ذلك الیوم المشھود ” يَوْمَ يَقُومُ اُ۬لرُّوحُ وَالْمَلَٰٓئِكَةُ صَفّاٗ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنَ اَذِنَ لَهُ اُ۬لرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَاباٗۖ * ذَٰلِكَ اَ۬لْيَوْمُ اُ۬لْحَقُّۖ فَمَن شَآءَ اَ۪تَّخَذَ إِلَيٰ رَبِّهِۦ مَـَٔاباًۖ َ” واعتمدوا في المامورية الجديدة المباركة بإذن الله ،كما واعدتم بذلك على الطاقات الموريتانية الشابة، التي تتوفر و بحمد الله في الكثیر منھا الكفاءة والنزاھة والايمان بالله و بالوطن، و توجھون طاقمكم الجدید، الذي نتمنى من أعماق قلوبنا أن یكون جدیدا نظیفا نقیا نقاء الثوب الأبیض من الدنس، ببدء الدوام الرسمي كل یوم في جمیع ادارات و أروقة و دوالیب الدولة و مؤسساتھا، بالقیام، على نغمات النشید الوطني، بقراءة ھذه الفقرة من برنامجكم الانتخابي حتى یتذكر الجمیع أن بینكم عھد مع الله و وعد لھذا الشعب المسكین تحرصون كل الحرص على الوفاء به ولن تأخذكم في ذلك لومة لائم، وھذه ھي الفقرة التي
كتبتم طواعية في برنامجكم الانتخابي وھي جديرة حقا بأن ترسم بماء الذھب : “أدعوكم إذن، للالتفاف مرة أخرى حول المشروع الطموح و الخيار الآمن الذي أقدمه لكم من أجل مستقبل واعد، و من أجل فتح صفحة جديدة من الأمل و الطموح و العمل الجاد لبناء الوطن الذي تستحقونه و نتطلع إليه جميعا : وطن المؤسسات القوية، وطن يعتز أبناؤه بالانتماء إليه، و يتشرفون بالدفاع عنه و يشاركون جميعا في تدبير شؤونه؛ وطن لا یشعر أي منكم فیه أنه غریب أو مستھدف؛ وطن يصون كرامة مواطنيه و یحفظ حریاتھم العامة و ھویتھم الإسلامية و الحضاریة و تراثھم الثقافي المتنوع الثري؛ و یھیئ لھم، في العدل و الأمن و الإنصاف، أسباب العيش الكريم و المنعة و التقدم و الازدھار” وفقنا الله وإیاكم لما یحبه ویرضاه
مواطنكم أحمد سالم ولد أحمد
اكادیر في ٥ یولیو 2024