أمريكا والحرب على إيران / سوسن الشاعر

هناك تياران متصارعان داخل الولايات المتحدة؛ اليسار المتحالف مع إيران الرافض للمساس بها وبعملائها في المنطقة يحاول الاحتفاظ ببقايا المشروع مع الحليف الإيراني، وتيار آخر من اليمين وأغلبهم من العسكريين ويقودهم ترامب يرى أن مصلحة أمريكا تتمثل في ردع التمدد الإيراني وأنشطته الإرهابية.

الصراع إذن ليس أمريكياً إيرانياً، وليس تحالفاً سعودياً أمريكياً ضد إيران فقط، بل هو صراع رؤيتين للمصالح الأمريكية لكل منهما مؤيدوها وحلفاؤها داخل الولايات المتحدة

وعلينا نحن هنا أن نفعل ما بوسعنا لمساعدة التيار الشعبوي في هذا الصراع الأمريكي الأمريكي، فالضغط على إيران لردعها هدف مشترك ومصلحة مشتركة معنا.

ترامب يسارع الخطى في التضييق على إيران، لكنه يلقى مقاومة داخل الأروقة الأمريكية، ويحاول اليسار الأمريكي تضييق الخناق عليه لمنعه من إحداث أي تغيير في المعادلة التي وُضعت إبان الحكم الأوبامي، على أمل العودة للإدارة في الانتخابات المقبلة.

حاولوا عبر الكونجرس تعطيل صفقات أسلحة لدول الخليج، وحاولوا منع مساعدة التحالف العربي في ردع الحوثيين، يحاولون شيطنة السعودية أمام الرأي العام الأمريكي، وبعد محاولاتهم الفاشلة في قضية خاشقجي كتب بن رودس مستشار الأمن القومي للرئيس السابق أوباما، في تغريدة، له كلاماً متحاملاً عن السعودية، ورد عليه آدم إيرلي سفير الولايات المتحدة الأمريكية في البحرين رداً مفحماً، وهو من التيار المعارض لليسار وأنصف البحرين كثيراً عام 2011، واصفاً سياسة أوباما الخارجية بأنها كارثية تمثلت في التخلص من الحلفاء والسماح للأسد بقتل شعبه والاتكال على روسيا للتخلص من الأسلحة الكيماوية، بمعنى أن «الدولة التي تحالفتم معها (مخاطباً إدارة أوباما) لم تكن هي المدينة الفاضلة، ومع ذلك ضحيتم بأفضل حلفائكم في المنطقة من أجلها».

ترامب يتجه في برنامجه إلى هدم كل ما بناه جون كيري وأوباما وهيلاري كلينتون وطاقمهم ومنهم بن رودس ذلك المضلل الذي أقرّ بكذبه في مقالة نُشرت له في صحيفة «نيويورك تايمز» بعد خروجه مع سيده من البيت الأبيض سخر فيها من غباء الصحفيين الشباب، الذين كان يستدرجهم بمعلومات مفبركة يصنعها فيما سماها «غرفة تردد الأخبار».

كل البناء الذي بناه أوباما يتعرض الآن للتضييق والهدم، وأهمه بناء شبكة العملاء الممتدة في أربع عواصم عربية، فأوباما عزز ووفر الحماية لكل خدم إيران في المنطقة سواء كان «حزب الله» الذي منع التحقيقات أن تصل إليه وتدينه بتهمة تهريب المخدرات وغسل الأموال، أو الحوثيين الذين هرّبت لهم إيران الصواريخ الباليستية، أو الحشد الشعبي الذي أُسس في عهده، أو «سرايا الأشتر» الإرهابية في البحرين التي دعمها، وذراعها السياسية «الوفاق»، كل ذلك من أجل تحقيق الهدف المشترك مع إيران بالهيمنة على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، باعتبار إيران «دولة عاقلة معتدلة قادرة على قيادة هذا الجزء من العالم العربي وبها جناح عقلاني معتدل قادر على احتواء الصقور الإيرانية»! وقَبِل وبكل ذلة ومهانة أن يتغاضى عن الإذلال الذي طال الجنود الأمريكان، بعد أسرهم وتركيعهم أمام مرأى العالم كله، مقابل أن يتمّم صفقته مع إيران.

واليوم أتى ترامب ليعلنها صراحة الحرب على أذرع إيران التي وفّرت إدارة أوباما كل الحماية والمظلة الشرعية لإرهابها وتمددها، وصرح بأن أي تحرك من خدم إيران في المنطقة، وأي اعتداء منهم على المصالح الأمريكية لن يعد تهديداً محلياً، بل سيُعد تعدياً إيرانياً على الولايات المتحدة.

وكتب ماركو روبي، النائب الأمريكي، أن أي اعتداء من «حزب الله» أو «كتائب عصائب أهل الحق» وهي مليشيات تحت قيادة «الحرس الثوري» الإيراني، وأي مساس بالخمسين ألف مقاتل أمريكي الموجودين في العراق، سيعدّ هجوماً مباشراً من إيران.

ويعد هذا الربط الواضح والصريح بين إيران وعملائها أهم ما جرى في المرحلة الحالية، خصوصاً بعد تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، قد أعلن أنه رداً على عدد من المؤشرات والتحذيرات المثيرة للقلق والمتصاعدة، سترسل الولايات المتحدة مجموعة حاملة طائرات «أبراهام لينكولن» وقوة من القاذفات إلى منطقة القيادة المركزية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لتبعث برسالة واضحة لا لبس فيها إلى النظام الإيراني بأن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها سيقابَل «بقوة شديدة».

وجاءت زيارة وزير الخارجية بومبيو للعراق، ودخول حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» للخليج ضمن السياق نفسه.

الصراع إذن ليس أمريكياً إيرانياً، وليس تحالفاً سعودياً أمريكياً ضد إيران فقط، بل هو صراع رؤيتين للمصالح الأمريكية لكل منهما مؤيدوها وحلفاؤها داخل الولايات المتحدة.

نقلاً عن “الشرق الأوسط”