الأخبارالصدى الثقافيتحقيقات

الاعلامي والدبلوماسي البارز الأستاذ محمد الحافظ ولد محم يكتب: زيارة لأشهر مكتبات مدينة قم الإيرانية

سعي إلي إقامة تعاون بين مكتبة شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم نياس و مكتبة العلامة شهاب الدين المرعشي النجفي في مجال حفظ المخطوطات

رافقت الشيخ محمد القرشي بن الشيخ إبراهيم نياس ( الأمين العام لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي) ، يوم السبت 9 سبتمبر 2023 ، خلال زيارة لمكتبة العلامة شهاب الدين المرعشي النجفي رحمه الله، بمدينة قم الايرانية، التي تعتبر العاصمة الروحية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لقد اختار لنا صديقنا المحترم سعادة السيد/ علي محمدى اصغر سيجاني ( الأمين العام المساعد لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي) هذه المكتبة، لتكون فاتحة لزياراتنا للمؤسسات الثقافية والعلمية بإيران، وذلك لما تتميز به هذه المكتبة من مخطوطات نادرة وكتب متنوعة، حيث يوجد فيها، حسب المعلومات التي حصلنا عليها من المشرفين عليها، حوالي ( 85 ) ألف مخطوط، و مليون و 500 ألف كتاب مطبوع بمختلف اللغات.
مؤسس هذه المكتبة العظيمة هو الأستاذ العلامة شهاب الدين المرعشي النجفي المولود لعشر بقين من صفر عام 1315 هجريةبالنجف الأشرف في العراق، و توفي يوم 7 صفر 1411 هجرية بمدينة قم الايرانية التي أقام فيها من سنة 1343 هجرية الي حين وفاته، وهذا العالم الجليل يتصل بالنسب الشريف ب ( 33 ) واسطة الي سيدنا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وهو حائز على لقب ” ءاية الله العظمي ” التي هي أعلا لقب علمي، حسب نظام “الحوزات ” العلمية، التي هي مؤسسات التعليم الأصلي أو الشرعي في ايران .
تقع هذه المكتبة في مجمع شامخ، من عدة طوابق، فى وسط مدينة قم ، و في المدخل يوجد ضريح مؤسس المكتبة المرحوم شهاب الدين النجفي .
وقد استقبلنا ابنه الأكبر السيد/محمود المرعشي الذي هو وصي والده و الأمين العام لهذه المكتبة العامة .
رحب السيد/محمود المرعشي، الذي ورث عن والده العلم، بالشيخ محمد القرشي نياس، وقال أن والده كانت تربطه علاقات علمية بالكثير من العلماء، خاصة في افريقيا، وأن والده كان من دعاة الوحدة الإسلامية، وله علاقات مع علماء الشيعة والسنة على حد السواء.
وتحدث عن حياة والده وشغفه بالكتب منذ كان شابا، وأنه رغم حاجته للمال لشؤونه الخاصة، فكان لا يجد مالا إلا صرفه في شراء الكتب، منذ كان في النجف، وبعد أن انتقل الي قم.
وقال ان هذه المكتبة مكتبة اهلية، وحسب تقرير من اليونسكو ، فهي تعتبر أكبر مكتبة للمخطوطات الإسلامية في العالم،
وقال إنهم يتعاملون مع ( 400 ) مكتبة في العالم، وأنهم بالاضافة الي فهارس المكتبة، أعدوا عدة فهارس لمكتبات افريقية، وسلمنا مجلدا مطبوعا يحوي فهرسة مكتبة أهلية في تمبكتو ( جمهورية مالي) .
و عبر الشيخ محمد القرشي بن الشيخ ابراهيم نياس عن اعجابه بهذه المكتبة الشهيرة التي تحمي المعرفة وكنوزها، وتحدث عن اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذي يتولي منصب امينه العام، وقال إنه يمثل الصوت البرلماني الجامع لكل الدول الإسلامية، و أن مقره في طهران.
وتحدث الشيخ محمد القرشي نياس عن المكتبة الكبرى التي تركها والده شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم نياس التي تضم آلاف الكتب والمخطوطات في مدينة كولخ بالسنغال،.
وقال انه يتطلع الي تعاون وثيق بين المكتبتين، خاصة في مجال حفظ المخطوطات وفهرستها .
وأعرب العلامة محمود المرعشي عن استعداده هو نفسه للسفر الي السنغال من أجل الاطلاع علي هذه المكتبة، وتقدير ما يمكنهم القيام به لصالحها، وقال انهم مستعدون لاستقبال متدربين على كيفية معالجة وانقاذ المخطوطات، وذكر انهم كانت معهم مجموعة من المتدربين من افريقيا جاءوا عن طريق وزارة الخارجية الإيرانية.
بعد جلسة العمل، أخذنا المسؤولون في المكتبة للقيام بجولة في هذا الصرح المعرفي، وقضينا في الجولة عدة ساعات ولم تكن كافية لاطلاعنا التام على هذه المكتبة العملاقة.
وبدأنا بقاعة كبري،عرضت فيها نماذج من المخطوطات النادرة التي تمت معالجتها ومنها مصحف شريف كتب على متر في متر ونصف بألوان زاهية وزنه (50) كلغ.،
وهناك مخطوطات يعود تاريخها الي القرن الرابع الهجري.

 

وفي طابق من هذه البناية ما يعرف ب : « مستشفي المخطوطات» وأي مخطوط جاء لابد أن ينام (72) ساعة على الأقل هناك، حتي يتم التأكد من خلوه من الجراثيم، وفي هذا الطابق عدد من المتخصصين ببذلاتهم البيضاء كالأطباء، وقالوا لنا أن “الصراصير” المضرة بالكتب تبلغ (1000) نوع، والحشرات الموجودة عادة في الكتب تبلغ (70) نوعا، وأنه في «المختبر» يتم فحص الكتاب، لتبدأ عملية تعقيمه ومعالجته، قبل أن يدخل المكتبة، واطلعنا على كيفية معالجة الورقة التي تآكلت، حيث يعدون «خميرة» من اصل نباتي ويسدون بها الفجوة ويقربون لونها للون الأصلي باستخدام الشاي والقهوة، ويضعون لاصقا غير مرئي، حتي يتم التأكد من أنها اصلية، إلا أنهم للأمانة العلمية، لا يكتبون الأحرف او الكلمات التي ضاعت من المخطوط إلا اذا كانت من القرءان الكريم فإنهم يضيفون أي حرف أو ءاية نقصت من المخطوط ، ويستخدمون الجلود فى علاجهم للمخطوطات والكتب ولديهم امكانات متميزة وجيدة فى مجال التجليد، ولديهم طاقم متخصص وأماكن فسيحة للحفظ والمعالجة ، ولديهم كذلك الكثير من الأجهزة الالكترونية، من سكاينير الي آلات التصوير الي الساحبات المختلفة الأحجام، واجهزة الميكروفيلم.
اطلعنا علي جزء من قاعة العرض خاص بالدروع والأوسمة التي حصلت عليها المكتبة ومؤسسها وكذلك جزء من ملابس المؤسس، ويومياته بخطه، ومن ابرز ما تتضمنه الأدلة الملموسة على تضحيته من اجل اقتناء الكتب، وفي بعضها يكتب أنه على الرغم مما يحصل عليه، مقابل صلاة الإستئجار ومن الهدايا والخمس والمساعدات فإنه يبقي فترة دون طعام لأن كل ما حصل عليه يشتري به الكتب.

 

والذي يتضح أن هذه المكتبة الكبري مجهود شخصي سهر عليه عالم جليل، مقتنعا بأهميته و وجد بيئة علمية، وسهر على ذلك من بعده كبير ابنائه و وصيه السيد محمود المرعشي المولود 1942م – 1361ه‍. .
والولد على خطى والده، خاصة أنه طبع العديد من الكتب التي تركها والده العلامة شهاب الدين الذي يقول عنه تلميذه السيد عادل العلوي مؤلف كتاب «قبسات من حياة سيدنا الاستاذ آية الله العظمي العلامة شهاب الدين المرعشي النجفي»، يقول إنه صنف وألف أكثر من مائة كتاب ورسالة في شتى العلوم والفنون .
ويقول عنه تلميذه أنه كان ورعا زاهدا تقيا، وأنه في احدي وصاياه لولده الكبير يوصيه ” بصلة الرحم سيما اخوته واخواته وبالبر في حقهم فإني لم اترك بعدي شيئا من زخارف الدنيا وكلما وصل الي يدي صرفته في المحاويج لا سيما اهل العلم حتي النذورات الخاصة بي، وسأخرج من الدنيا ولم ادع من حطام الدنيا للورثة قطميرا ووكلت امرهم الي ربي الكريم ” .
واوصاه ان يدفن معه الخمرة «السجادة» التي صلى عليها سبعين سنة صلاة الليل أي أنه منذ كان عمره ثلاثة عشر سنة كان يصلي صلاة الليل، وأن يدفن معه سبحته التي استغفر بعددها في الأسحار..
وددت أن اختم هذه الكتابة بتوضيحات حول ثلاثة قضايا علمية لها علاقة بحياة مؤسس هذه المكتبة، وهي:
الأولي: منهجه في الدراسة، وهو منهج الدراسة في الحوزات العلمية الدينية للطائفة الإمامية الشيعية .
الثانية: مسألة الخمس التي ذكر أنها كانت من الموارد المالية للمكتبة.
الثالثة: الاستئجار على الصلاة الفائتة عن الميت، وقد ذكر هذا العلامة انها كانت مصدرا من مصادره المالية لشراء الكتب.
وبما أن هذه الأمور الثلاثة قضايا علمية، فقد اخترت ان اكتب عنها في فرصة أخرى بعد مزيد من التحري والبحث والتأني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى