الأخبارمقالات و تحليلات

النخب الوطنية السياسية و الحقوقية .. في ظل تراجع و تلاشي قيم المواطنة / اباي ولد اداعة.

أشياء كثيرة في الحياة تستعصي علي الفهم أحيانا

و أحداث جمة داخل المشهد الوطني نقف حيالها تارة حائرين مرتبكين لا نجد لها تفسيرا أو تعليلا منطقيا

هذا هو حال نخبنا الوطنية السياسية و الحقوقية اليوم .

كلما كان الواقع زاخرا بالمتناقضات و المفارقات كلما كان مدعاة للإستغراب و الصدمة .

ما تشهده الساحة الوطنية من حين لآخر من تعاطي سياسي ذات بعد قبلي جهوي يأخذ شكل سباق لرصد الوسائل و الحشد الشعبي بما أوتي من قوة في إطار التحضير لزيارات الإطلاع و العمل و استقبال رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني داخل الوطن ضمن الجهود الرامية لإطلاق مشاريع تنموية أو خدمية هامة تلامس هموم المواطن أو الوقوف علي منجز وطني كان في الموعد .

سلوك لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو استحضار لنهج قديم من الممارسات السياسية الخاطئة متذ العهد الطائعي تطور لاحقا و تبنته الأنظمة السابقة و اتسعت دائرته بشكل غير مسبوق اتسم بمظاهر ولاء زائفة و كاذبة اتجاه النظام الحاكم يغذيها البعد القبلي و الطائفي بدوافع و مصالح ضيقة .

اعتادته النخب الوطنية و السياسية في هكذا مناسبات .

تصرف مشين غير متحضر لم يعد يناسب إطلاقا المرحلة الراهنة

بعد 63 سنة من التيه و الضياع بحثا عن قيام دولة مركزية بمواصفات و معايير دولية .

إذا كان البعض يريد بهذا المسعي إبراز و إظهار مستوي الولاء للوطن و التأييد اللامشروط للنظام فإنه أساء إليه و من خلاله إلي رئيس الجمهورية عبر تعطيل عمل الدوائر الحكومية و تجميد مصالح المواطن و التقليل من شأنه و تكريس مفهوم القبلية و ترسيخ البعد الجهوي وبالتالي تقويض مفهوم الدولة في ظل غياب و تراجع قيم المواطنة.

حيث ساهمت هذه الممارسات الخاطئة و المشينة علي العموم في إشاعة ثقافة الترف و الفساد و التبذير داخل المجتمع و كرست الفوارق الإجتماعية و خلقت جيلا متحورا من المبذرين و المفسدين و المتملقين و المنبوذبن علي غرار المدرسة الزيدانية و علي طريقة الشيطنة نزولا عند الآية الكريمة من سورة الإسراء : ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا ..) صدق الله العظيم.

في حين كان من المفروض أن تستهدف هذه الزيارات الساكنة المحلية داخل المناطق الهشة دون غيرها لتشكل فرصة مواتية للتلاقي و فتح جسر تواصل بين القمة و القاعدة بين رئيس الجمهورية و المواطن البسيط للوقوف علي حيثيات النواقص الحاصلة و الإستماع للمطالب دون مغالطة أو تضليل.

تثمينا و تقديرا لما تحقق في مجال التعاطي مع الملف الإجتماعي عبر إنشاء مندوبية تآزر شكلت إهتمام رئيس الجمهورية ، رصدت لها أموال هائلة و ضخمة لإمتصاص حالات التفاوت الإجتماعي من غبن و تهميش داخل الطبقات الهشة و الناجمة من تراكمات الماضي.

خاصة إذا علمنا أن ما يتم صرفه علي هامش الزيارات و مستوي التنظيم من من موارد ذاتية و أموال خاصة من خلال نشر اللافتات و الشعارات الكاذبة و المضللة .

و عبر حالات مظاهر البذخ التي كثيرا ما تذهب في مهب الريح يمكن أن تؤسس لتنمية محلية ذات نفع عام .

بينما لوحظ داخل المشهد الوطني في الآونة الأخيرة انتشار و تنامي خطاب الكراهية و التحريض العنصري علي نطاق واسع عبر وسائل التواصل الإجتماعي البديل الإعلامي الجديد

جاء وفقا لميول و رغبات دعاة الفتن و إثارة النعرات .

حمل الكثير من حالات التشهير و الشتم المتكرر و الإفتراء و الصور النمطية المؤذية التي قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد قد تؤدي إلي حصول تداعيات سلبية.

إضافة إلي التحامل الكيدي و التهويل المفتعل علي الوطن و استهداف وحدة و تماسك شعبه .

كما عمل أيضا هذا الخطاب علي تحفيز مشاعر الحقد و الضغينة اتجاه مكونة اجتماعية عريضة دون غيرها.

مما قد يشكل خروجا علي الثوابت الوطنية و تهديدا لقيم الديمقراطية

و الإستقرار الإجتماعي و التعايش الأهلي السلمي.

و إن كان بعض المراقبين للشأن الوطني يري أن هذا التوجه العنصري الجديد مرده عائد إلي مستوي هامش الحرية الواسع و التساهل والتراخي الحاصل في تطبيق القانون و إلي الفشل الذريع في المتاجرة بالقضايا الوطنية.

فمن المؤسف جدا أن يأتي مضمون هذا الخطاب العنصري و يصدر من مستوي سياسي برلماني حقوقي يفترض أن يكون من دعاة مشروع الوحدة ذات رؤية متبصرة.

بالمقابل لم تتأخر بعض أحزاب المعارضة التقليدية ممثلة في ( حزبي التكتل و قوي التقدم ) من إدانة و إستنكار انتشار خطابات الكراهية.و التحريض و المطالبة بتقديم أصحابها للعدالة.

و ضرورة التصدي لها من خلال التطبيق الصارم للقانون.

إن كل ما يحتاجه الوطن اليوم أكثر من أي وقت مضي هو الإرادة الصارمة و الجادة في إحداث التغيير المنشود أولا في العقلية و من خلال القطيعة مع ممارسات الماضي و إرهاصاته و محاربة الفساد في كل تجلياته و تعزيز سيادة القانون و خلق مفهوم المواطنة وثقافة إحترام القانون.

تأسيسا لما سبق فإن أكبر عائق أمام تنمية وتقدم البلد في ظل دولة القانون و المواطنة هو تخلي النخب الوطنية السياسية و الدينية و الثقافية و الحقوقية عن دورها المحوري و تجردها التام من القيم والمبادئ و الثوابت الدينية و الوطنية و الأخلاقية و عدم الإرتقاء بالنفس الأمارة بالسوء مما كرس و عزز من تنامي المفاهيم الخاطئة لدور القبيلة في ظل المصالح الضيقة و التقليل من شأن الدولة العميقة القوية و الحاضنة للجميع والحريصة علي المصلحة العامة، عبر التفنن في إتقان فنون التطبيل و التملق و النفاق السياسي و التزلف و الإحتيال

الذي أضحي و بات مصطلحا شائعا لدي المسؤول الموريتاني بغية مغازلة النظام و التطبيل له

بصوت يصدح بشعارات زائفة كاذبة و مضللة لا تخدم النظام نفسه و لا الوطن من ورائه .

داخل المحافل والمناسبات الوطنية المتباينة.

إن النخب هي الطلائع المجتمعية التي يفترض أن تضطلع بأدوار شتي علي غرار تحقيق التنمية و هي القوة الإجتماعية الدافعة بعجلة التنمية و المعززة للموارد كما أنها أيضا هي المنتجة للقيم الإجتماعية فهي التي تقع علي عاتقها في كل الحالات مهمة البناء الإجتماعي و القيادة و التخطيط .

إن عمليات التغيير علي العموم و كذلك المسارات التنموية إنما تقودها النخب الوطنية ليس إلا.

فمتي سنستفيق و نحدث قطيعة تامة مع هكذا ممارسات و مسلكيات مشينة و هدامة ؟

 

حفظ الله موريتانيا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى