مقالات و تحليلات

تاريخ الفساد، الحالة الموريتانية نموذجا / سيدي محمد طالبنا

سيد محمد طالبنا – جيوفيزيائي مقيم في فرنسا

لم يعاني بلد في العالم من الفساد الإداري والمالي كما عانينا في وطني موريتانيا و بأيدينا (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ).

في فجر العاشر من يوليو 1978 انقلب قادة العسكر المحبطين على نظام المختار ولد داداه ورفاقه الذين اجتهدوا في بناء دولة عصرية بمؤسسات مدنية، رغم المآخذ على الجانب السياسي و نظام الحزب الواحد، الا ان الفساد و تبذير الموارد العامة لم يكن ابدا واردا او مطروحا.

وحين استولى العسكر على السلطة ومن اجل تثبيتها لجؤوا إلى تأليف النخب و أصحاب الرأي بالجاه و السلطة و التخويف، فامتلأت السجون بالنخب من أصحاب المبادئ الذين رفضوا ارتهان العسكر للحكم، وبالمقابل استفاد الفريق الموالي للعسكر من امتيازات كبيرة على حساب المصالح العامة للشعب وموارده ومؤسساته ،فظهر الفساد و انتشر في الإدارات و المؤسسات العامة (سوء التسيير ،الرشوة، المحسوبية، تبديد المال العام و الجرأة عليه…)

فأصبحت التعيينات جزافية و لا تخضع لمعيار الكفاءة و الخبرة و الاقدمية.

وبعد أن كان انواكشوط مدينة وادعة منسجمة، ظهرت اقطاب و أحياء جديدة، أصحاب النفوذ الجدد في الشمال حي لاس بالماس في تفرغ زينة و ضحايا الفساد في أحياء الصفيح (الكبات) في جنوب العاصمة، وبدأت الفوارق الاجتماعية تتشكل و بمعيار مادي.

وامتد جشع العسكر لنعيش كابوس مسلسل انقلابات من أجل السلطة و السلطة فقط وهي الدوامة التي لا نزال نعيش مأساتها حتى يومنا هذا…

ومن أكثر الأنظمة إثارة للجدل، كان نظام ولد هيدالة و عهده الكئيب، الذي تميز بشظف العيش (سياسة التقشف) وكبت الحريات وسجن أصحاب الرأي واشياء مرة أخرى…

وبعده ولد الطايع الذي تميز عهده بانفراج سياسي وترف مادي ملحوظ، رغم طابع الفساد الفاحش الذي استشرى في عهده و هبوط مؤشر الأخلاق سياسيا و اجتماعيا بشكل غير مسبوق، فظهر النفاق السياسي كفن جديد وطريق مختصر للوظيفة و النفوذ.

ورغم ظهور معارضة قوية وذات مصداقية، شكلت لفترة توازنا سياسيا كان مفقوداً قبل أن تصبح مطية للوصول للوظيفة و التعيين السامي.

لنعيش في خريف 2005 حلما جميلا لم يلبث طويلا ،ضاع أمام شجع البعض و حبه للسلطة، فكان العفو العام و الشامل السقطة التي اضاعت فرصة تاريخية لوقف نزيف الفساد الذي أكل الأخضر و اتلف اليابس.

جاء ولد الشيخ عبدالله أو جيء به ليكون واجهة مدنية لانقلابيي أغسطس، الذين مالبثوا ان اشاحوا الستارة ليعتلوا المسرح.

وبإسم الفقراء، يتهم رئيس الفقراء الآن بأكبر عملية تفقير لشعب ظن به خيراً.

ولأن المتهم بريئ حتى تثبت ادانته، لن نزيد في الكلام، خصوصا انه بلغني الآن انه يسأل..

 

نقلا عن الحرية 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى