مقالات و تحليلات

خطاب تبُّون.. وتبعات حرب غزّة / خالد عمر بن قفه

فى الزمن السياسى الجزائرى الرَّاهن، تبدو الدولة حاضرة من خلال تفاعل يومى للرئيس عبدالمجيد تبُّون مع الشعب عبر الصحافة والجولات الميدانية أولًا، وثانيًا فى انتهاجه سياسة المساءلة لكل المشرفين على مؤسسات الدولة من أعلاها إلى أدناها، وثالثًا فى نشَاطِهِ الدائم نحو حوار مباشر مع قادة العالم، بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معهم.

ويبدو أن ذلك الحضور للدولة من حيث هى جامعة، والذى كرسه رئيسها خلال السنوات الأربع من حكمه، وتحقيقه معظم وُعوده التى طرحها فى برنامجه الانتخابى، لا يودُّ تبون أن يكون حديث الماضى القريب أو الحاضر الآنى، إنما يسعى ليكون خطاب المستقبل، وفعله أيضًا.

 

من هنا يكمن فهم ما أقدم عليه تبون من جرد مرحلة سابقة، سيكون بعدها تقييم سنوى، فى خطابه الذى ألقاه الإثنين الماضى (25 ديسمبر الجارى) أمام أعضاء غرفتى المجلس الشعبى الوطنى ومجلس الأمة، وعمّقه فى سابقة هى الأولى من نوعها فى الجزائر، إذا استثنينا خطاب الرئيس الراحل هوارى بومدين أمام المجلس الشعبى الوطنى عام 1977م، وحينها لم يكن هناك مجلس للأمة.

 

لقد كشف الخطاب عن استعادة الجزائر عافيَّتها وتخطِّيها صعوبات جمَّة فى مختلف المجالات، رغم ترُاكم التحديات، سواء ما كان منها ميراثًا مُرًّا لحِقبة سابقة حين ساء التقدير، وضلَّ صانع القرار، وانهارت الجبهة الداخلية، وكادت الدولة تهوى، أو ما كان منها نتاج المرحلة الراهنة بما حملته من أعباء داخلية وخارجية وضعت الرئيس عبدالمجيد تبون فى مواجهة مع حركة الزمن، ومتطلبات المجتمع، وتغيرات العالم، وضغوط القوى المختلة على المستويين المحلى والدولى.

 

قضايا كثيرة طرحها تبون فى خطابه، تجاوب معها الحضور، وتفاعل معها الشارع الجزائرى.. ليس فقط لأنه خاطب الشعب بلغة يفهمها ـ كما جرت العادة ـ وإنما لأنه وفّى بما وعده به، وعمّق شعورًا لديه بصدق وعوده المستقبلية، وبدا فى كل ذلك متأثرًا لأبعد حد، حتى إذا ما دعا بعضَ مَن فى القاعة إلى ترشحه لعهدة ثانية، وصفق الحاضرون جميعهم لذلك، جاء رده بأن الأمر متروك للشعب، وأحسب أنه لو أجرى استفتاءً لحظيًا بتأييد شبه مطلق، وإن كان البعض يرى فى خطابه بداية حملته الانتخابية قبل إعلان ترشحه.

 

وإذا كان الخطاب قد حظى بنقاش واسع فى مختلف الوسائل الإعلامية الجزائرية ـ العمومية والخاصة ـ وتفاعل معه إيجابيًّا كثير من السياسيين وعناصر النخبة، خاصة فى شقِّه المتعلق بالقضايا المحلية، فإن حديثه عن القضايا الخارجية التى تحدّث فيها تبون عن علاقة الجزائر بدول العالم لم ينل التحليل الكافى ـ من وجهة نظرى ـ لذلك اخترت الحديث هنا عن واحدة منها، وهى «المسألة الفلسطينية»، وتحديدًا الحرب الجارية فى غزة.

 

يُفْهم من خطاب تبون عن القضية الفلسطينية أنها من الثوابت الأساسية للدولة وللشعب، ويمكن اختصار الموقف الجزائرى فى الآتى:

أوّلًا ـ مسألة تحرير فلسطين بالنسبة للجزائريين ـ فى شقها التاريخى منذ نكبة 1948م وإلى الآن (حرب 7 أكتوبر 2023م) ـ هى أثناء الاستعمار الفرنسى كانت «قضية مصيرية للشعب الجزائرى» من منطلقيْن: دينى وقومى.. وبعد الاستقلال، صارت قضية الدولة الجزائرية على أساس التحرر من الاستعمار، إضافة إلى بُعدها الشعبى.

ثانيًا ـ إنها من الثوابت الأساسية للدولة الجزائرية، وقد عبرت عن ذلك فى كل مواقفها الدولية وعلاقاتها الدبلوماسية، ولهذا تعتبر نفسها طرفًا أساسيًّا فى الصراع.

 

ثالثًا ـ تعتبر الجزائر نفسها من دول المواجهة، وإن لم تكن من دول الطّوق، وإنها معنيّة بالقضية الفلسطينية مثل أهلها، بدليل أن كثيرًا من القرارات المصيرية التى اتّخذها الفلسطينيون تمَّت على أرضها.

 

رابعًا ـ تؤمن بأن الفلسطينيين هم وحدهم من يحق لهم اتخاذ القرار بِشأن قضيتهم، وأن على الدول العربية أن تكون داعمة لهم.

 

خامسا ـ إن الجزائر لا تقبل بتصفية القضية الفلسطينية على حساب المصالح القطرية أو الإقليمية، أو الدولية.

 

لا شك أن الموقف الجزائرى الثابت من القضية الفلسطينية له تبعاته، خاصة فى الوقت الراهن، وقد تحدثت صحف عربية عن حل الأزمة الراهنة فى غزة، بحيث تضع الحرب أوزارها، على أن يتم تهجير المقاومين الفلسطينيين ـ الحمساويين خاصة ـ إلى الجزائر، ضمن مشروع ينضج على نار هادئة من فرنسا ودول عربية، عبر ضغط أمريكى منتظر، يكون مقابله تهدئة الجوار الإفريقى للجزائر.

 

تروّج هذه الأخبار من منطلق أن حرب الإبادة ضد الفلسطينيين ستكون نتيجتها إنهاء دور حماس، وإقصاءها من المشهد، ودخول قوات عربية لتحل بدلًا منها، ومن ثم توزيع ما يتبقّى من قادة حماس على دول أخرى، ومنها الجزائر، من منطلق أن هذه الأخيرة مؤيدة للحق الفلسطينى.

 

بعيدًا عن تخطيط بعض القوى الدولية الفاعلة مثل: الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وبعض الدول العربية لحماية إسرائيل المنكسرة والمهزومة، فإن الاعتقاد بأن الجزائر ستقبل بهذا الطرح يعدُّ ضربًا من الوهم.. إنها تؤيد الحق الفلسطينى، وتعرف أن الثورة ستنتصر هناك مهما طال الزمن، لكنها فى الوقت ذاته تدافع عن القضية فى سياق الرؤية الفلسطينية ـ العربية، وذلك ما يُفهم من خطاب الرئيس تبون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى