افتتاحية الصدىمقالات و تحليلات

علماء إفريقيا في نواكشوط … ملامسة الوجع وتشخيص الداء والدواء / بقلم : محمد عبد الرحمن المجتبى

محمد عبد الرحمن المجتبى /رئيس التحرير

في خضم ما تشهده القارة السمراء من اتساع مريع  لخارطة الارهاب والتطرف، حيث تنشط الحركات الظلامية  في  العديد من دول ومناطق القارة، من بوكي حرام في نايجريا وجوارها لتنظيم القاعدة في الشمال الافريقي والصحراء الكبرى ، وفي سياق اللحظة الراهنة التي تشهد تطورات أمنية خطيرة في بعض دول مجموعة الساحل الخمس خاصة في مالي ، تتنزل إحدى مبادرات منتدى أبوظبي لتعزيز السلم المتمثلة في مؤتمر العلماء الافارقة الثاني من نوعه في موريتانيا، حيث إحتضنت العاصمة نواكشوط على مدى ثلاثة أيام الجلسات العلمية لهذا المؤتمر الهام المنعقد بحضور ورعاية رئيس البلاد محمد ولد الشيخ الغزواني وبرئاسة سماحة الشيخ المجدد عبد الله بن بيه وبمشاركة كوكبة من علماء وخبراء ونبهاء القارة السمراء ، إلى جانب ممثلي بعض الهيئات الدولية والإقليمية والأممية.

وما أجمع عليه المنشغلون بالشأن الافريقي هو أهمية هذا المؤتمر من حيث المحتوى، ومن حيث راهنيته ولحظته المأزومة، التي تتوق القارة السمراء للحظات أرحب منها وأسعد ، لحظات مفعمة بما يبشر به منتدى أبوظبي لتعزيز السلم من تسامح وتصالح، ونبذ للكراهية والشحناء، وتصد صارم للحركات الظلامية التي تعشش بأفكارها السوداء في عقول وقلوب أبناء القارة البررة، لتجرفهم لمساراتها الضالة، وتستخدمهم وقودا زكيا لمشاريعها الدموية، والعبثية التي لا تنسجم مع أي فكر إنساني سوي، ولا تتناغم مع أي دين سماوي، ولا تصمد أمام أي قانون رباني أو وضعي،

ولا شك أن مؤتمر نواكشوط الذي جاء معززا لمضامين إعلان نواكشوط 2020م ، قد لامس الوجع، وشخص الداء والدواء ، فهاهو رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، يدق ناقوس الخطر المحدق بأبناء القارة، ليؤكد أن محاربة الإرهاب لا تتأتى فقط بكسر شوكته العسكرية فقط وإنما  تتطلب أيضا “حرمانه من بيئة مواتية بالعمل على مكافحة الجهل والبطالة والفقر وعلى إقامة دولة قانون راسخة الأساس وبناء تنمية شاملة مستديمة، ولكنه يتطلب كذلك في المرتبة الأولى، العمل على تنقية العقول من بذور التطرف الفكري بإشاعة ثقافة السلام والمحبة والإخاء وبنشر قيم الدين الإسلامي الحنيف من تسامح ووسطية وإخاء والذب عنها في وجه قراءات منحرفة وتأويلات منحرفة”.

ولعل ما يشير له الرئيس الغزواني في كلمته أمام المؤتمر، من ضرورة تنقية العقول، هو ما يدخل في صميم مهام وإهتمامات وإنشغالات منتدى أبوظبي لتعزيز السلم منذ إنطلاقه قبل عدة سنوات ، حيث يجسد هذا المنتدى أهم وابرز منصة لبث أفكار ورؤى وتصورات وإشارات علامة العصر الشيخ المجدد عبد الله بن بيه، الذي سخر حياته لخدمة الإسلام وللتعريف بالإسلام كدين للوسطية والرحمة والعدالة الاجتماعية، ينبذ كل أشكال وتشكلات العنف والكراهية، والارهاب والتطرف الفكري والمسلح.

وهذا ما جسدته قبسات الشيخ المجدد عبد الله بن بيه خلال كلمته التأطيرية للمؤتمر مؤكدا  أن هذا المؤتمر يجسد رؤية والتزام دولة الامارات العربية المتحدة بتعزيز السلم ونشر ثقافة التسامح والتصالح بين كل شعوب الارض ، وهذا ما تعززه العبارة التي تم اختيارها كشعار للمؤتمر وهي “بذل السلام للعالم” لما تحمله من دلالات ومعاني ومقاصد عميقة تكرس مفاهيم المحبة والإخاء والتسامح والتعايش بين البشر.

وما يجمع عليه المشاركون والمراقبون اليوم، هو النجاح المذهل للمؤتمر وتاثيره البالغ في الرأي العام المحلي والإفريقي والدولي خاصة أن مشروع بيانه الختامي يرمي لأول مرة لدمج البعد التنموي مع البعد الفكري للمؤتمر، حسب ما نصت عليه توصيات المؤتمر بدقة و وضوح ، والأمر المؤكد أن توصيات مؤتمر نواكشوط الثاني ستحدث نقلة نوعية على المستوى الفكري والتنموي في القارة السمراء، في حال تجسيدها على أرض الواقع من طرف القائمين عليها بالتعاون والتعاطي الايجابي مع الحكومات الافريقية التي تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الإطار ، وهو ما نؤكد عليه ونطالب به كإعلاميين متوجسين مما تشهده قارتنا من تطورات خطيرة نعتقد أن توصيات مؤتمر نواكشوط الثاني هي خير بلسم لها، معالجة للوجع بعد تشخصيه  وتصديا للتحديات والوقائع المأساوية للفكر الظلامي المدمر للانسان والأوطان.

حفظ الله البلاد والعباد  

المصدر : افتتاحية صحيفة “الصدى” الورقية الصادرة بتاريخ الاثنين 12 رجب 1443هـ الموافق 14-01-2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى