فضاء الرأي

موريتانيا من تعميم الحكم العسكري إلى تعميم الحكم العنصري / بون ولد باهي

بون ولد باهي / كاتب موريتاني

بحلول العام 2018 يمكن القول بتعميم الحكم العسكري، ذلك أنه لا توجد أي مؤشرات انتقال نحو الحكم المدني الديمقراطي. ويؤكد هذا الأمر تصريحات الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب 2008 العسكري، بأنه لن سيغادر السياسة وإن كان سيغادر السلطة من باب تحصيل الحاصل.

 

وعلى كل فإن نشأة الحكم العسكري في موريتانيا ترجع إلى تمرد 1978 الذي أطاح بالرئيس المؤسس المختار ولد داداه، والذي تحول فيما بعد إلى انقلاب عسكري، ثم إلى شكل الانقلابات العسكرية العسكرية، بدءا بانقلاب (1979)، وانقلاب (1980)، وانقلاب (1984)، وانقلاب (2005)، وانقلاب (2008)، وقرابة (12) انقلابا عسكريا فاشلا بعضها كان دمويا ومأساوي. والحال أن البلاد لم تعرف منذ الاستقلال السياسي 1960 حكما مدنيا سوى مرحلة قصيرة جدا (1960 إلى 1978)، ما عدى ذلك إما حكما عسكريا مباشرا (1978ـ1984) أو غير مباشر (2007ـ2008 حكم مدني مدعوم عسكريا) أو هجين راديكالي: (رأس عسكري وحكومة مدنية، أي، حكم عسكري مدعوم مدنيا كما هو الحال الآن). نقول بتعميم الحكم العسكري، لأنه هو نظام الحكم المعمول به حتى الراهن، بل إن الانقلابات العسكرية هي الأداة الوحيدة للتداول على السلطة.

لقد أفرغ هذا النموذج المعمم للحكم العسكري بشكل لا رجعة فيه صناديق الاقتراع والأحزاب السياسية من أي دور، بسبب هيمنة أحزاب الانقلابات العسكرية التي تولد بعد ميلاد أي انقلاب عسكري جديد لتتولى مهمة دعم الحكم واستمراره. وأشير هنا إلى أن جميع الانقلابات العسكرية بعد عام 1991 قادت إلى ميلاد أحزاب سياسية ظلت تحتكر السلطة حتى إسقاط النظام بانقلاب عسكري والدخول في دورة جديدة. مثال ذلك: الحزب الجمهوري، أسسه الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع بعد انقلابه عام 1984 على الرئيس محمد خونه ولد هيدالة (وظل يوصله للسلطة حتى 2005 تاريخ الانقلاب عليه هو)، والاتحاد من أجل الجمهورية، أسسه الرئيس محمد ولد عبد عبد العزيز بعد انقلابه 2008 على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله (أوصله لولايتين 2009 و2014 العهدة الأخيرة التي يسمح بها الدستور).

الأسوأ في تعميم الحكم العسكري هو تعميم الحكم العنصري بالنتيجة والحصيلة الحتمية. فالتقاليد العسكرية الصارمة المغلقة تختلف عن تقاليد السياسة المفتوحة والتي هي مجال للعموم وللنقاش والرأي، طبعا هذا الأمر ليس جديدا منذ أن فصل ميكافيلي بين فن الحرب وفن السياسية، أو كلاوز فيتز وغيرهما من منظري العلاقات المدنية العسكرية. ذلك أنه لا يمكن للحكم إلا أن يكون عسكريا أو مدنيا، يتبع أحدهما للآخر ويؤثر فيه بشكل يسمح بالتبعية التامة. وتبعية المدنيين في موريتانيا على امتداد 40 سنة بالتمام والكمال اكبر دليل على عملية التأثير حتى على عقول البعض التي لم تعد قادرة على التمييز. ولا يمكن فهم الانتقال من تعميم الحكم العسكري إلى تعميم الحكم العنصري خارج السياق العام لهذه العملية الجدلية المتداخلة.

لقد بدأت عملية تعميم الحكم العنصري بإقصاء المدنيين على امتداد (1978 إلى 2018) من السلطة، قبل أن تتحول هذه العملية بعد 2008 وبالتحديد حراك 2011 الذي تسبب في إسقاط بعض الأنظمة الفاسدة، أو بعبارة أصح الانقلابية وزوالها إلى “مسألة شخصية” للنظام تستهدف الأفراد والجماعات والمؤسسات وأخيرا الشعب وأولا.

ماذا يميز النظام في موريتانيا عن نظام الفصل العنصري سابقا في جنوب إفريقيا كشكل من أشكال الاستعمار الخارجي، أو عن نظام الفصل العنصري سابقا ضد الهنود في أمريكا كشكل من أشكال الاحتلال الداخلي؟ النظام الموريتاني الحالي وصل إلى السلطة بالقوة، ويحكم بالقوة، وقسم الشعب بين معارضة مغضوب عليها وموالاة يغدق عليها من ثروات البلد الطبيعية ودافعي الضرائب. النظام الموريتاني يرفض من الوظيفة أي مواطن له رأي معارض، النظام الموريتاني أقال العديد من الموظفين لأبسط الانتقادات أو الملاحظات، مع أنه في النظام الليبرالي هذا شرط أساسي من شروط المواطنة. النظام الموريتاني يحتكر الدولة وكل إمكانياتها لأغراضه الشخصية أو السياسية، النظام الموريتاني يمنع المواطنين أوراقهم المدنية ويحاصرهم دون وجود أدنى إدانة أو جرم. النظام الموريتاني يستغل القضاء لمحاكمة المعارضين، والضرائب لتركيعهم وإفلاسهم، وحتى مصادرة الأراضي وما إلى ذلك من الأمور المخلة بشرف وكرامة الإنسان. وهو بذلك لا يختلف عن أنظمة الاحتلال حيث يكون الحصول على الامتيازات مشروط بإثبات الولاء والعمالة، والعكس الويل والهوان. الأمثلة كثيرة على هذه السياسة الهمجية: برلماني مسجون (ولد غدة)، دبلوماسي مقال بسبب مقال رأي (ولد بيه)، شاعر يطلب من دولة أجنبية لوضعه في السجن (ولد بونه)، موظفين تمت إقالتهم بسبب التدوين على الفيسبوك، برلمانيين ممنوعين من ممارسة مهامهم لآرائهم المعارضة (مجلس الشيوخ).

والأكثر خطورة استهداف شرائح المجتمع ومكوناته وإلحاق الأذى بالأموات والأحياء.

كانت جملة واحدة تكفي لوصف تعميم النظام العنصري وهي تحويل البلد إلى ملك خاص: مال وإدارة وشرطة وجيش، لكن مقتضى التعميم تطلب ذكر صفات أخرى، وأخرى لم تذكر وهي أشد ظلما وجورا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى